غزة تنتصر للإنسانية… وجيل ولد ليحرر وطنه…وتوقعات بدفن اتفاقيات السلام وعرقلة مساعي التطبيع
القاهرة ـ «القدس العربي»: لا يعلم حكام العرب والمسلمين أولئك الذين لم يقوموا بأي دور حتى بعد أن دخلت الحرب أسبوعها الرابع، أن غزة إذا انهارت في الحرب التي تخوضها الآن وحيدة في مواجهة واشنطن، فإن مستقبل حكمهم سيكون في مهب الريح. وأكد الكاتب الصحافي ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، المنسق العام للحوار الوطني، أن مصر أطلقت صافرة «لا لتصفية القضية الفلسطينية» وهناك أطراف تقر بأن لمصر دورا لا غنى عنه في المنطقة والقضية الفلسطينية.
وكشف رشوان، أن الدول التي كانت أكثر عداء لمصر هي أكثر الدول الداعمة لمصر في القضية الفلسطينية، لافتا إلى أن أغلب وسائل الإعلام الغربية مع وجهة النظر الإسرائيلية. وأوضح ضياء أن الرأي العام الغربي ليس معاديا لنا بطبيعته، لكنه لا يفهم الأمر وسيتغير عندما يفهم الأوضاع، ووسائل التواصل الاجتماعي بعد أزمة غزة ليس كما كانت من قبلها، وإيلون ماسك يشعر بأزمة قد تطيح باستثماراته، لافتا إلى أن إسرائيل حصلت على 350 مليار دولار مساعدات من أمريكا. أما رئيس الوزراء مصطفى مدبولي فقال، إن كل محاولات النيل من مصر كانت دائما تأتي من شمال سيناء، ومستعدون لبذل ملايين الأرواح لكل ذرة رمل من سيناء.
الحدث الكروي الأهم: تعلقت أنظار العالم نحو باريس لمتابعة من سيحصد الكرة الذهبية لعام 2023، داخل أروقة الساحرة المستديرة، على حفل جائزة «بالون دور» مركز صادم كان في انتظار الفرعون المصري محمد صلاح، لاعب ليفربول الإنكليزي، وقائد الفراعنة، الذي خرج للمرة الأولى منذ عام 2018 من قائمة أفضل 10 لاعبين على العالم، بعدما حل في المركز الحادي عشر في ترتيب اللاعبين.
ومع ارتباط اسم محمد صلاح الملقب بـ«فخر العرب» في أوروبا، بالقضية الفلسطينية خلال الأيام الماضية، وتحديدا منذ نشر مقطعا مصورا عبر حسابه الرسمي على موقع الصور الشهير «إنستغرام» يدعم خلاله غزة في حربها ضد الاحتلال الصهيوني في ظل الوضع المأساوي الذي يعيشه القطاع من قصف مستمر من الطيران الحربي للعدوان، كان السؤال بشأن موقف فلسطين من التصويت لـ«صلاح» في حفل «بالون دور» متداولا بشكل كبير. وكشفت تقارير عن أن فلسطين منحت صوتها لمحمد صلاح في حفل الكرة الذهبية، لكن المفاجأة كانت في أن اللاعب حصد أصوات 5 دول فقط، هي (مصر- فلسطين- الأردن- ليتوانيا- جنوب افريقيا).
ويعتمد التصويت على جائزة الكرة الذهبية للرجال على مجموعة من الصحافيين من مختلف دول العالم، الذين يمثلون أول 100 دولة في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا». وواجه صلاح هجوما واسعا على منصات التواصل الاجتماعي طيلة الفترة الماضية بسبب ما اعتبره كثيرون تراخيا منه في دعم الشعب الفلسطيني، إذ لم يلق الفيديو الذي بثه إعجاب الكثيرين الذين أمطروه بوابل من الهجوم مقارنة بقرينه الجزائري بنزيمه، الذي هُدد بفقد جنسيته الفرنسية بسبب دعمه المطلق لفلسطين وحق شعبها في المقاومة لنيل حقوقها.
ذعرهم يمنعهم
يتخبط الإسرائيليون بين الحماس لعملية برية واسعة طال انتظارها في غزة، ومخاوف جديدة من جحيم ينتظر قوات الاحتلال، إذا ما أقدمت على اقتحام القطاع، تابع طلعت إسماعيل في «الشروق»: كلما ضاقت وتعقدت المشكلة، دب الخلاف أكثر بين نتنياهو ومعارضيه، الذين تتسع دائرتهم يوما وراء الآخر، وسط ضغوط هائلة من عائلات الجنود والمستوطنين الأسرى، الذين باتوا كابوسا لرجل تل أبيب «الضعيف» الذي «لم يعد صالحا للحكم ولا لإدارة حرب» في نظر جمهرة من الإسرائيليين. ومع دخول العدوان أسبوعه الرابع، تكثف قوات الاحتلال غاراتها على غزة بشكل هستيري، خاصة محيط المستشفيات بما يتسبب في سقوط مئات الشهداء والجرحى، وهو تعبير عن فشل محاولات الاجتياح البري حتى الآن، على الرغم من استدعاء مئات ألوف الجنود الاحتياط واصطفاف آلاف المدرعات والدبابات وقاذفات الصواريخ على الحدود مع القطاع. فلا يمكن تفسير إظلام غزة، وقطع خدمات الاتصالات عنها، وتكثيف الغارات عليها، بعيدا عن غياب خطة الاجتياح البري، التي استدعت وصول مخططين عسكريين وقوات أمريكية للعمل في الميدان، ما يعكس بجلاء مدى ضعف وهشاشة الجيش الإسرائيلي الذي راح قادته يتبادلون الاتهامات مع نتنياهو الذي يناور بتغريدات صبيانية على مواقع التواصل الاجتماعي يتهرب فيها من الاعتراف بفشله، أو تحمل مسؤولية الهجوم الكاسح للمقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. يتحصن جنود الاحتلال خلف القذائف الصاروخية، ونيران المدافع التي تستهدف المدنيين في غزة، لكنهم يعجزون عن خوض غمار الحرب وجها لوجه، وملاقاة خصومهم في الميدان، بعد أن ولى زملاؤهم ظهورهم خوفا ورعبا من عناصر المقاومة في السابع من أكتوبر، وكلما زادت هواجس قوات الاحتلال صبت جام غضبها على المدنيين العزل في المستشفيات والشوارع، بعد أن هدمت آلاف الوحدات السكنية فوق رؤوس الأطفال والنساء وكبار السن.
جرائمها تتكرر
منيت تل أبيب بهزيمة منكرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي اتخذت قرارا بأغلبية 120 عضوا يدعو إلى «هدنة إنسانية فورية دائمة ومستدامة تفضي إلى وقف الأعمال العدائية وتوفير السلع والخدمات الأساسية للمدنيين في شتى أنحاء غزة فورا ودون عوائق» فماذا فعلت إسرائيل؟ يجيب طلعت إسماعيل: استهانت بدول العالم وأمعنت في العدوان وقتل المدنيين ومنع تدفق المساعدات الطبية والغذائية لأكثر من مليوني مدني فلسطيني يواجهون الجوع والمرض وكارثة صحية، مع وجود آلاف الجثث تحت أنقاض المنازل المدمرة. السلوك الإجرامي الإسرائيلي بحق الفلسطينيين دفع المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إلى القول وهو يقف أمام معبر رفح البري، إن «عرقلة إمدادات الإغاثة لسكان غزة قد تشكل جريمة بموجب اختصاص المحكمة». كريم خان قال أيضا خلال مؤتمر صحافي في القاهرة إنه ينبغي ألا يكون هناك أي عائق أمام وصول إمدادات الإغاثة الإنسانية للمدنيين، وإن هناك حقوقا لهؤلاء «بموجب القانون الدولي الإنساني» لكن هل يمكن أن تضع المحكمة الجنائية الدولية قادة الاحتلال في أقفاص الاتهام، وتجرهم إلى ساحتها؟ أشك، فنحن للأسف أمام سيرك منصوب والكل يسعى لتبرئة ذمته من دماء الأطفال والنساء في غزة، تتجاهل إسرائيل كل الأصوات المطالبة بوقف عدوانها على غزة، وتتردد في الاجتياح البري خشية عواقبه الوخيمة، فتكثف نيرانها صوب المدنيين المحشورين بين فوهات المدافع من جهة، وخطر الموت جوعا من جهة أخرى، في ظل جنون إسرائيلى قائم على الانتقام والرغبة في سفك أكبر قدر من الدماء، تتلبس قادتها روح تستشعر خطر «الزوال من الوجود» وهي عقدة تاريخية ستبقى تطارد كل صهيوني جاء من بلدان بعيدة لسرقة أرض فلسطين.
تحارب في الظلام
مساء الجمعة والكلام لجلال عارف في «الأخبار» كانت دول العالم تحتشد في الجمعية العامة للأمم المتحدة في محاولة لوضع حد لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني، بعد أن فشلت كل المحاولات لكي يقوم مجلس الأمن بواجبه ويوقف هذه الحرب الجنونية بسبب الانحياز الأمريكي والغربي لإسرائيل. وفي الوقت نفسه.. كانت إسرائيل تقوم بتصعيد خطير للغاية، وتشن أعنف هجوم على قطاع غزة منذ بدء العدوان الأخير، وتبدأ في التغول البري داخل القطاع.. وتستبق ذلك بقطع كل وسائل الاتصال بين غزة والخارج، بما فيها الهواتف والإنترنت، وتخطر الصحافيين الأجانب بأنها لا تضمن سلامتهم بعد أن قتلت 24 صحافيا فلسطينيا منذ بدء الحرب المجنونة، واستهدفت منازل آخرين وقتلت أطفالهم وعائلاتهم، وكان آخرهم وائل الدحدوح من قناة «الجزيرة». كان الحرص كاملا أن تقوم إسرائيل بجريمتها في ظلام كامل وبعيدا عن الإعلام.. لعلها تفلت بجرائمها التي تفوقت فيها على أحط جرائم النازية ومع ذلك.. لا التعتيم الإسرائيلي الذي فرضته على غزة، ولا الضغوط الأمريكية على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ولا الدفع – في آخر لحظة- بتعديلات على مشروع القرار الذي قدمته الدول العربية والإسلامية.. كل ذلك لم يمنع أغلبية الدول من أن ترى الصورة الحقيقية وتدرك الخطر من استمرار الجريمة الإسرائيلية.. لم يكن ممكنا تجاهل أرواح أكثر من سبعة آلاف فلسطينى أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء استشهدوا حتى صدور القرار، ولم يكن ممكنا استمرار السير وراء أكاذيب إسرائيل التي تروج لها أمريكا، ولم يكن ممكنا السكوت على جرائم حرب تتراكم.. بدءا من استمرار الاحتلال، وحتى حصار الفلسطينيين وتجويعهم ومحاولة تهجيرهم من وطنهم. لم تفلح أكاذيب إسرائيل، ولا دعم أمريكا، في منع صدور القرار الذي أيدته 120 دولة بينما لم تعارضه مع أمريكا وإسرائيل إلا 12 من بينها فيجي، وجزر مارشال، وبابوا غينيا الجديدة، وناورو، وتونج.. وبالطبع ميكرونيزيا العظمى. بينما كان اللافت تأييد فرنسا للقرار العربي، وامتناع بريطانيا وألمانيا وإيطاليا عن التصويت.. وإصرار أمريكا على معارضة قرار لا يستهدف إلا الدعوة لهدنة فورية ودائمة تفضي إلى وقف الأعمال العدوانية، وإمداد المدنيين بالسلع والخدمات الأساسية فورا وبلا عوائق، ورفض أي محاولات للتهجير القسرى للفلسطينيين. لو استمعت الولايات المتحدة لصوت العقل لأدركت أن قرار الأمم المتحدة يفتح لها الباب للخروج من «الورطة» التي دخلت فيها بانحيازها الفج لإسرائيل في حرب إبادة كادت تصبح شريكة في المسؤولية عنها.
سلام عليها
الأزرق والأبيض والبنى، ألوان ترى عزة كامل في «المصري اليوم» أنها تصنع لوحات عظيمة للغاية، لكنها في الحقيقة لوحات حية وناطقة ومبهجة أيضا، رغم كل ما يحدث، ذات جلباب أزرق وطرحة بنية، دافعة رأسها في صدر صغيرها وهي تحتضنه جثة ملفوفة بكفن أبيض معقود من قمة رأسه. أم يرتعش قلبها ألما ووجعا على طفلها المقتول، الذي يستريح الآن في حضنها الممزق، طفلها الذي لم تستطع أن تحميه وهو يلهو بلعبته في براءة ذات نهار بيد، ويحمل بالأخرى عَلَم بلاده، الذي كان يرفرف به وسط الدمار والخراب، ذلك العَلَم الذي مزقته وحشية وجنون قذائف العدو، ربما تكتمل هذه اللوحة بوضع وصية الطفل، التي يوزع فيها مفرداته الصغيرة والبريئة وذكرياته القليلة، على إخوته وأبناء وبنات أعمامه وأخواله. الأم تشارك الأب المكلوم، الذي يلوح بأشلاء أطفاله، ويخلع قميصه الممزق، ويسجد، سيتوحد كل منهما مع آلاف الآباء والأمهات، الذين لم يعثروا على أطفالهم الأبرياء، بل عثروا على أشلاء أشلااااااء أشلاء. إلى أين يأخذنا هذا الجحيم يا رب الكون؟ جحيم ضباب القنابل وحريق الصواريخ والقتل وهدم البيوت والأرواح وتشريد الناس من منازلهم، ماذا سنفعل بأشلاء الضحايا، والسماء تعَكَّر لونها بالدم؟ ماذا سنفعل بأنفسنا، بعدما لم نعد نحن نحن كما كنا؟ فغزة تحترق، ولم يبقَ شىء مما بعثرته رياح الغدر وطمسه البحر. مَن سيُعيد لنا الذاكرة والتاريخ، وسط تخاذل جبان؟ هي غزة الآن شعلة تحترق وفجر ينأى عنها، ولا أكفان ولا قبور لدفن الموتى، والصقور تحلّق فوق الأشلاء، لقد فاقت المذبحة لغة المجاز والبلاغة، بعدما أصبح أطفالها شيوخا وآباء وأمهات، ولم تعد زرقة البحر يا «درويش» ترسم رائحة الخبز خريطة للحياة، ولا في زرقة الفجر يستيقظ الحالمون خِفَافا، ويمشون في ماء أحلامهم مرِحين، فالحالمون الآن يصرخون، ولا يرد عليهم الصدى، بل تمطر عليهم السماء قنابل وجثثا. ورغم ذلك، تفاجئنا غزة بمنح هويتها، تصنع مشهدها الخاص في التاريخ، تقف متحدية لعنة الزدون أن تفقد صوتها، فقد وُلدت من الجرح نفسه، وستجعل أعداءها يصغون إلى رعد الحجارة، حجارة حنظلة، ذلك الرمز المقاوم، حتى لو خذلتهم السماء، وستظل غزة جرحنا الداخلي ووجعنا ولعنة وعار كل مَن خذلها. غزة لا تشبه أحدا، متفردة في حزنها ومقاومتها وبسالتها وجمالها.
تنتصر بمفردها
على قلوبهم وعلى سمعهم ختم العنصرية وعلى أبصارهم غشاوة الصهيونية وعلى قلوبنا وعلى أسماعنا كما يروي عصام كامل رئيس تحرير «فيتو» ختم اللامبالاة وعلى أبصارنا غشاوة العدم.. على قلوب الغرب وعلى سمعه ماض من القتل والعنف وعلى قلوبنا وعلى أسماعنا حاضر من الغياب والضياع والجبن. لا الغرب كله أشرار ولا كلنا أخيار، فالغرب الرسمي المتمترس خلف آلة الصهيونية، يقابله غرب لا يزال يحتمى بالإنسانية عنوانا وضميرا ويخرج في ميادين المدن الغربية ليفضح آلة الحرب والقتل والتدمير، بينما تحول أجهزة الأمن في بلادنا بيننا وبين مجرد الهتاف إحياء لغزة وأهلها. في الغرب الرسمي القابع خلف تاريخ عريق من العنصرية كثير من ذئاب البشر المطالبين والداعمين لآلة الحرب على عزل غزة، وفي بعض بلادنا يقبع الحكام خلف الخوف على الكرسي وحلاوة الكرسي، وبهاء الكرسي وسلطان الكرسي ومكاسب الكرسي، فلا يهمه ما يجري ولا تحرك شعرة من رأسه طفلة أخرجوها الآن من تحت الركام. لا نحن مسموح لنا بالصراخ ولا شعوب الغرب مسموح لها إلا بالصراخ.. معادلة معقدة تتحكم في البشر هنا وتحكم البشر هناك، بيننا مظلوم تسيره الحكومات ولديهم مظلوم يستطيع أن يغير الحكومات.. كلانا مظلوم غير أن مظلومهم بيده بعض الأمر، بينما نحن أمرنا بيد من بيدهم القوة.
وإن جلدوا ظهورنا
ما بين مظلوم الشرق ومظلوم الغرب تتأرجح غزة، وكل غزة ويموت أطفال غزة وكل غزة، وتنهار بنايات غزة وبنايات كل غزة والأمر يمضي من قرن إلى قرن ومن زمن إلى زمن، دون أن يصبح للبشرية كلها ضمير موحد وقلب موحد وعيون ترى كل ما يُرى. تابع عصام كامل: لا تصب جام غضبك على من بيدهم الأمر فالأمر هنا وهناك واحد.. هنا يحكمنا ولاة الأمر وإن جلدوا ظهورنا وهناك ولاة الأمر يخطفون إرادة شعوبهم في طريق صناعة المجد الذي ترسمه عصابات الصهيونية، التي ابتدعوها كما قال كبيرهم في البيت الأبيض.. إن لم تخلق إسرائيل لخلقناها. غزة التي تنزف دما وتبكي أرواحا طاهرة تصعد للسماء أقوى من كل تظاهرات خرجت هناك وأخرى هنا حبست خلف قضبان العسس ورجال الأمن الساهرين على حراسة الكراسي وحماية مكاسبهم وترقياتهم ومناصبهم ومواقعهم، وبعض قروش يحصلون عليها كلما وأدوا صوتا حرا أراد أن يصرخ. غزة التي يتصورها البعض عاجزة هي الوحيدة القادرة على النزف خارج مسارات العروق والشرايين، أما نحن هنا وهم هناك فإن شرايينا تحكمها مسارات من أرادوا.. غزة وحدها تنتصر للإنسانية فهل فضح القتلة إلا أهلها وهل عرى ازدواجية الغرب إلا أطفالها. غزة لم تهزم الكيان المحتل وحده.. غزة هزمت كل عواصم التجارة في عالمنا وكل عواصم الدعارة في عالمهم الذي تحركه هرة في طريق عام ولا تحركه أشلاء النساء تحت الأنقاض.. غزة انتصرت وحدها دون مساندة منا أو دعم منهم.. غزة هي البطل الباقي على قيد الحياة.
غباؤها لصالحنا
لا شك في أن العدوان الإرهابي غير المسبوق من إسرائيل على قطاع غزة، أسفر عن نتائج مهمة على المستوى العربي والعالمي، وفق ما يرى محمود الحضري في «المشهد» أن العدوان الصهيوني خرج عن مفهوم رد الفعل إلى العقاب الجماعي على شعب غزة، الذي امتد إلى سكان الضفة الغربية. ورغم خسائر الفلسطينيين المتلاحقة جراء هذا العدوان، تتكبد إسرائيل العديد من الخسائر، اتسعت دائرة الكراهية العربية، بل من بعض شعوب دول العالم من هذا الكيان المحتل، ومن سياساته التي تؤكد أنه رافض للسلام، في ظل ما يعلن رئيس وزراء إسرائيل وحكومته المتطرفة من أطماع في المنطقة تتعدى حدود الأراضي المحتلة. الكراهية جسدتها التحركات الشعبية العربية، والتي أجبرت بعض حكومات الدول لتغيير مواقفها المتأرجحة تجاه ما يحدث في قطاع غزة من دمار وقتل وتشريد وتهجير قسري غير مسبوق، وتلك السياسات التي تؤكد همجية هذا الكيان وعنصريته التي لم تعد خافية على أحد. من أهم ما أفرزه العدوان الصهيوني هو حالة الالتفاف الشعبي العربي مع أهل فلسطين في مختلف أرجاء الوطن العربي شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، وفي تلك الدول التي حالت دون تنظيم مسيرات شعبيىة تضامنا مع غزة، تحول الفضاء الإلكتروني إلى مسرح ومنصات عالمية للتضامن، ومن حالت القيود بينهم وبين القيام بذلك، شاركوا متطوعين في جمع وتجهيز المساعدات والمؤن للشعب المحاصر برا وبحرا وجوا، في تعبير عن رفض شعبي لسياسات الصهاينة. منذ الأيام الأولى للعدوان الصهيوني جسدت مواقف الشعوب رفضا لهذا الكيان، ورفضا لكل وسائل وسياسات التطبيع، التي كشفت أفعاله عن وجهه القبيح، وخططه لتشريد الشعوب، وليس في الأراضي المحتلة فقط، بل لتحقيق أطماع لم يخفها إرهاب نتنياهو، التي جاهر بها بهدف السعي لإقامة إسرائيل الكبرى المزعومة على أرض تمتد من مصر إلى العراق، والوصول إلى مكة المكرمة.
باتت منبوذة
المؤكد الذي انتبه له محمود الحضري أن أول خسائر إسرائيل الصهيونية، هو دفن أي اتفاقيات تطبيع وسلام وعرقلة الخطوات، بل غلق الباب أمام أي مساعٍ أخرى للتطبيع على المستوى الشعبي، ترسيخا للكراهية التي تتوارثها الأجيال شعبيا لكيان صهيوني يطمع لخط مسار يبدأ من القاهرة مروا بمنطقة الخليج العربي وحتى المدينة المنورة ومكة والفرات، مخترقا الأردن وسوريا وكل أرض فلسطين. وكشفت أزمة غزة عن حجم القبح الصهيوني على كل المستويات، وهو ما دفع بحجم كبير من الشعوب العربية لرفض أي تطبيع، ليظل على الورق، ولتصبح أي اتفاقيات لا تساوي الحبر الذي تم تسطيره بها، من وجهة نظر الشعوب. وفي متابعة لردود الفعل للشعوب العربية، منذ بداية العدوان الصهيوني على غزة، نجد أن ميادين مصر استقبلت مظاهرات دعت لها أطياف شعبية وأحزاب سياسية تضامنا مع فلسطين، وفي العراق خرجت مظاهرات حاشدة حيث تحركت قوافل شعبية نحو الحدود مع الأردن لاعتصام مفتوح إلى حين فك الحصار عن قطاع غزة، بينما شهدت الأردن تجمعات بالآلاف في منطقة ناعور بنية التوجه نحو الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي الخليج كانت البحرين أكثر الدول التي شهدت تظاهرات دعما لغزة، ورفضا لسياسات قوات الاحتلال، كما خرج الشعب الجزائري لنصرة أهل غزة واحتشد الآلاف في نواكشوط في موريتانيا والرباط في المغرب. وانتفض العالم تأييدا لقطاع غزة، خصوصا في أوروبا، فيما شهدت عواصم إسلامية أخرى احتجاجات واسعة نصرة لغزة وتنديدا بجرائم الاحتلال مثل كوالالمبور في ماليزيا، وجاكارتا في أندونيسيا. الشاهد عربيا، أن إسرائيل زرعت المزيد من الكراهية مجددا في قلوب العرب ودول أخرى، لتصنع جبالا من الكراهية والرفض الشعبي لكل مساعي التطبيع، لتصبح كلها وما هو مقبل منها مجرد حبر على ورق بالنسبة لشعوب أمة كارهة لما هو كل صهيوني محتل وعنصري ونازي الأفعال.
شكرا غزة
إذا كانت تلك الحرب وهذه الجريمة الإنسانية التي ترتكبها عصابة محتلة تحت مسمى دولة ضد شعب أعزل على مرأى ومسمع من العالم أجمع قد أسقطت قناع الإنسانية عن العالم، فإن نتائج وآثار تلك النكبة البشرية صارت كما أشارت الدكتورة عزة أحمد هيكل في «الوفد» نقطة انطلاق لحالة من التوحد العالمي من قبل شعوب الكرة الأرضية ضد هذه البشاعة وتلك الجرائم، فاندلعت جذوة النور وبارقة من أمل في تغيير العديد من المفاهيم المغلوطة عما تعنيه المقاومة وماهية الاحتلال ومن هم أصحاب الأرض ومن هم المعتدون وماذا تعنى الحرية وهل العنصرية اقتصرت على جنوب افريقيا، أو قضية السود والبيض في أمريكا؟ أم أن العنصرية امتدت إلى الحكام والرؤساء والملوك الذين يرون أن الدم الغربي الأمريكي الإسرائيلي أرقى وأعظم من تلك الدماء العربية الفلسطينية، وأن الرهائن أو القتلى من جانبهم يستدعي أن يتحرك رؤساء الغرب وأمريكا ويهرعون إلى قبلتهم المزيفة المعتدية وإلى حليفتهم السياسية وصنيعتهم العسكرية ويعلنون أنهم شركاؤهم في كل ما سوف يقومون به من قتل ودمار وإبادة جماعية للشعب الفلسطيني الأعزل، سواء في غزة أو الضفة الغربية ولا مانع من استعراض القوة والتلويح بالحرب الشاملة الكبرى، إذا فكرت أي دولة كبرى في مساعدة هؤلاء العزل الأبرياء، سواء روسيا أو الصين أو إيران، أما البلدان العربية فقد أصابها الصم والعجز فلا نسمع إلا الشجب والتنديد والرفض والصراخ والعويل.
لا عدل ولا رحمة
شعوب وشباب العالم الغربي يرفض منطق حكامه ورؤسائه وينتفض نحو قضية قديمة جديدة اسمها فلسطين، هؤلاء الشباب الذين غرقوا في العالم الافتراضي والألعاب الإلكترونية والحروب الوهمية على الشاشات والفضائيات، وتخيلوا كما أكدت عزة أحمد هيكل، أن هذا العالم عادل وأن الحق ينتصر، وأن القوة تحمي الضعيف والمظلوم، وأن بلادهم المتقدمة لديها مبادئ وقوانين وأعراف، وإذا بهم يصدمون من هول وبشاعة الحقيقة ألا وهي أن القوة تزيد الظالم ظلما وكذبا، وأن جميع المنظمات الدولية وقوانينها تستخدم لصالح الرأسمالية العالمية التي تتحكم في مصائر البشر وأرزاقهم ومأكلهم ورواتبهم حتى أحلامهم ومستقبلهم.. هذا عالم ليس عادلا ولا متقدما بعد أن سقط قناع الإنسانية وانكشف المستور فإذا بهذا الشباب والجيل الجديد يلتف حول هدف نبيل وقضية إنسانية ويهب لرفض الزيف والكذب والدمار والعنصرية ويطالب بالحرية والمساواة والعدل والحياة لأطفال غزة وفلسطين.. وبينما يصحو ذلك الجيل في الغرب نجد جيلا آخر يكبر من ركام الأبنية المتهدمة وأشلاء الأهل ورفات الأب والأم ودماء الرضع وبقايا الأرحام وقد فقدت الأجنة.. جيل تلك المجزرة الجماعية التي تفوق ما حدث في الهولوكوست، جيل لن يخاف أحدا ولن يهاب موتا أو دمارا أو نيرانا فالنار الموقدة في داخله للثأر وللبقاء سوف تحرق الكثير ممن كانوا معتدين أو ممن صمت وسكت، وتابع وندد وشجب، وعجز عن حمايتهم.. الجيل الجديد لفلسطين لن يكون مثل هؤلاء من المقاومة التي يسمونها في الغرب إرهابا، بينما هم الإرهابيون الذين يقطعون البحار والسماء ليدخلوا بلادنا يرهبوننا بأسطول وحاملة طائرات يضربون العراق وسوريا وليبيا ولبنان والآن فلسطين.. جيل النكبة الحالية جيل غير.. علينا أن ننتبه ونحذر ونعد العدة لما هو مقبل.. إذا كانت دولة واحدة قد أنهكت وأرعبت العالم وحطمت كل القوانين والأعراف، فإن صحوة ضمير العالم والشعوب قد تغير من التاريخ والجغرافيا، وفي الوقت ذاته فإن ثأر غزة وفلسطين لم يعد مجرد جرح، وإنما جيل جديد لن يفرط ولن يسامح مهما حدث.
بقيت الكراهية
نشأ الشباب العربي وتربى على كراهية إسرائيل، كما يقول رفعت رشاد في «الوطن»: رحم الله المطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم الذي غنى «أنا بكره إسرائيل» التي استقبلها الشعب المصري والشعوب العربية استقبالا حافلا، واستخدمها ببراعة الفنان عادل إمام في فيلم «السفارة في العمارة» الذي أظهر بوضوح أننا نكرههم. سعت إسرائيل وراء التطبيع رغبة في نقل الحركة والعلاقات من المستوى الحكومي الرسمي إلى المستوى الشعبي الجماهيري، وهي لا تنفك تبرر سياسة التطبيع وتخلق الحجج والأسانيد لدعم هذا الاتجاه، بل لا تألو جهدا للتأثير في الوعي العام واعتبار أن التطبيع أمر واقع ومحاولة اختراق الحاجز الفكري والنفسي لجماهير الشعب العربي. وبعدما لم تجدِ اتفاقيات كامب ديفيد في تكريس عملية التطبيع، جاءت اتفاقيات أوسلو أو غزة أريحا لتظهر الهوس الإسرائيلي بعملية التطبيع، خاصة مع مصر، مبررة ذلك بأنه لم يعد هناك مبرر لعدم التطبيع بعد الاتفاق مع الفلسطينيين، وقد حاولت مضاعفة مكاسبها برفع المقاطعة العربية والعمل على التخطيط والتنفيذ لخريطة جديدة للشرق الأوسط بكل تفاصيلها. المؤكد أن الشعب العربي من الخليج إلى المحيط شعر بالنصر لما قامت به المقاومة الفلسطينية في عملية «طوفان الأقصى» ولا أحد يخفى شعوره هذا الذي تجسد في مواقع التواصل الاجتماعي التي قربت بين مواطنينا، والمؤكد أيضا أن العالم كله عرف أن العرب لن يطبعوا مع إسرائيل التي سرقت الوطن الفلسطيني وقتلت الأطفال دون مبرر، وترفض أن يكون للفلسطينيين دولة دون مبرر. لقد ذهب التطبيع.. وبقيت الكراهية لإسرائيل.
الجميع أهملوها
عقود طويلة عاشتها سيناء وأهلها طي النسيان.. تعاملت معها الحكومات المصرية المتعاقبة على أنها وفق ما شاهد صلاح البلك في «الوطن» باعتبارها «صندوق رمال» وأرض مواجهات يتعذر تغييرها، فبقيت على حالها صحراء مترامية الأطراف تتناثر فيها تجمعات وأشباه قرى ومدن تنتمي لعصور سابقة. قرون طويلة لم تُفلح فيها محاولات تعميرها وتنميتها على قلتها ومداها الزمني الطويل الذي تحولت خلاله إلى مادة خطاب سياسي يتبخر مع نهاية كل حديث، تشتعل الحروب على أرضها.. يحتلها غاصب.. تحررها جيوش مصر لتستعيد مكانتها «قضية وطن» يخطط ويبدأ مشروعات تنموية لا تكتمل أبدا. كل مصري يعتبر نفسه «صاحب ملك» في أرض سيناء التي ارتوت بدماء الشهداء، كما ارتوى الوادي بمياه النيل.. ترابها ضم أشخاصا لا يُنسون، ما جعل مصيرها محل ترقب من الجميع. انطلقت عقب ثورة يونيو/حزيران أكبر خطة تنمية بميزانيات غير مسبوقة في مجالات الحياة كافة وفق محاور استراتيجية بلغ فيها إجمالي الاستثمارات الموجهة لتنفيذ المشروعات القومية لتنمية سيناء 900 مليار جنيه، تستهدف أن تكون سيناء مركزا للمال والأعمال والاقتصاد الأخضر، عن طريق تطوير البنية التحتية والخدمات الأساسية، وجذب الاستثمارات والاستفادة من الثروات والتنمية العمرانية والسياحية، وتطوير البنية التحتية والخدمات الأساسية في شبه جزيرة سيناء. الدولة المصرية وضعت مخططا متكاملا للعمل على التنمية المتكاملة ضمن الرؤية المستقبلية المستهدفة يتضمن دراسة إنشاء 20 تجمعا تنمويا جديدا في نطاق مراكز رفح والعريش والشيخ زويد خلال الفترة القليلة المقبلة.
سيناء تتصدر المشهد
سيناء كما أوضح صلاح البلك تنتظر إنشاء ما يزيد على 40 مشروعا استثماريا تنمويا ضخما في شمالها، بين مشروعات سياحية وصناعية وتجارية ولوجيستية وزراعية كبرى. المشروعات الاستثمارية المنتظرة تتضمن مشروعات سياحية، بينها مركز تنمية سياحية في العريش، ومركز ترفيهي سياحي خدمي تجاري عالمي في العريش، ومركز تنمية بيئي في بئر العبد، ومركز تنمية سياحي على بحيرة البردويل، وآخر في طابا. المشروعات الصناعية كان لها نصيب ضمن المخطط الذي يتضمن إنشاء مجمع صناعات دوائية في العريش، ومصنعين للرمال السوداء، ومجمع لإصلاح وبناء السفن، ومجمع صناعات لمنتجات الأسماك في بئر العبد، ومجمع لإنتاج الفحم بالمغارة، ومجمع صناعات ميكانيكية وكهربائية، ومجمع صناعي للغزل والنسيج، ومجمع صناعي لإنتاج الزجاج. تضاف إليها مشروعات التجارة والخدمات اللوجيستية، مثل ميناء العريش للحاويات. تواصل الدولة مشروعات البنية التحتية والمشروعات التنموية بمراكز شمال سيناء، أبرزها في العريش، ورفح، والشيخ زويد، وبئر العبد، ومركز الحسنة، وذلك في قطاعات الكهرباء، والطاقة، ومياه الشرب والصرف الصحي، والرعاية الصحية، والخدمات التعليمية، والزراعة والري، والنقل والمواصلات، فضلا عن الخدمات الشبابية والإسكان. في الوقت الذي تتصدر فيه سيناء المشهد ننتظر القطاع الخاص المصري للمساهمة بدور فعال في أكبر عملية تنمية حقيقية تشهدها مصر عبر تاريخها، وهو ما يحتاج وبشكل عاجل للتغيير الفوري بما يسمح بالاستفادة من الإمكانات المتاحة وتحويل سيناء إلى منطقة جذب للعمالة المصرية والاستثمارات، التي طالما غابت بدواعي عدم الاستقرار، أو تراجع اهتمام الدولة، وجميعها أمور زالت وباتت الأرض مهيأة تماما لاستقبال عصر مختلف يتسم بالتعاون الوثيق بين أطراف حريصة على الاستفادة وإحداث النقلة المرجوة بأسرع وقت.