بقلم: المعتز بالله منصوري
بلينكن، كاتب الدولة الأمريكي للشؤون الخارجية، أو حامل الموت إلى الشرق الأوسط وناقل صواريخ الإبادة الجماعية إلى غزة، يصدر بيانا، يصنف فيه دولا -من بينها الجزائر-حول الحرية الدينية.
هذه ليست دعابة، مثلما يفترض أن تكون، ولكنها حقيقة. فقد نشر البيان الذي يقدم إحاطة تمهيدية عن التقرير المقبل الخاص بالحرية الدينية، نهاية الأسبوع الماضي، ولقي إدانة هيئات ومؤسسات رسمية وغير حكومية، كما حظي بوابل من السخرية والشجب على صفحات مواقع التواصل.
وفي غمرة ما أثير من ردود فعل وطنية ودولية، حضرتنا فقرة مميزة للكاتب والناقذ الأمريكي، بول كروغمان علق بها على فضيحة مذكرات التعذيب في العراق التي نشرها البيت الأبيض سنتين 2008-2009، قال فيها: “لطالما كنا (الولايات المتحدة) أمة المثل الأخلاقية، ولم يسبق لزعمائنا قط، أن أقدموا قبل أيام بوش على خيانة كل ما يرمز لأمتنا بهذه الدرجة من الفظاعة”.
المفكر الأمريكي وعالم اللسانيات الشهير، نعوم تشومسكي، أخذ هذا الاقتباس في إحدى كتاباته، وأضاف له بأن الولايات المتحدة تعاني من “فقدان الذاكرة التاريخي”، موضحا بأن السجل التاريخي لأمريكا متناقض ومتضارب مع الأهداف السامية من قبيل “أمة المثل الأخلاقية”.
بمعنى آخر، لم تبدأ فظاعات الولايات المتحدة الأمريكية، مع بوش الأب أو الإبن، بل كانت قبلهما بزمن طويل وتحديدا مع عمليات الإبادة الوحشية للهنود الحمر، إلى أن امتدت للقارات الخمس أثناء الحربين العالمتين وبعدهما، ولاتزال متواصلة إلى أدق.
وبمعنى أدق، تؤمن النخب المثقفة في أمريكا، أن اضطلاع بلادهم بأهداف سامية وإفشائها في العالم، حقيقة, لكن الممارسات الشريرة للإدارات الأمريكية المتعاقبة، حقيقة أيضا، ولم يعد العالم الذي أرادت واشنطن احتواءه، يصدق سوى الممارسات الشريرة.
وهل يوجد عاقل، يصدق بلينكن، الذي قال للحكومة الصهيونية في تل أبيب، بعد السابع من أكتوبر “جئتكم كيهودي وليس كوزير خارجية أمريكي” ؟.
ستكون مزحة القرن، تخيل هذا اليهودي ولو لوهلة، أنه يكترث للحرية الدينية. ولن نزايد عليه إذ اعتقدنا أنه حريص على انتشار معتقد جنون الشذوذ والمثلية وتحصين عبدة الشيطان ومرتادي جزيرة إبستين، لممارسة الطقوس الشنيعة على الأطفال.
لقد أصدر بلينكن، بيانه الخاص بالحرية الدينية، في وقت تنقبض فيه أرواح البشرية، حزنا وأسى على الفلسطينيين الذي يبادون بذخيرة أمريكية في غزة، وجلهم من النساء والأطفال. ومع ذلك أراد بكل خسة، أن يظهر كملاك يعتلي المآذن ويقرع أجراس الكنائس وحارس المعابد كلها.
إن ما فعله وزير الخارجية الأمريكي، في غزة، سيضاف إلى العار التاريخي الذي يطارد الولايات المتحدة الأمريكية، ويراكم أسباب انهيارها الأخلاقي الوشيك. لقد زار الشرق الأوسط عدة مرات منذ السابع من أكتوبر، وفي كل مرة يأتي حاملا لبراميل البنزين يصبها على النار، إلى أن رسخ في أذهان أطفال غزة الأبطال، أنه الشيطان حاصد الأرواح ذي القلنسوة السوداء حامل المنجل، الذي وجب رجمه.
ولا يوجد تفسير، لدوافع الولايات المتحدة، في مراقبة الحرية الدينية في العالم، بناء على قانون الكونغرس الصادر سنة 1998، سوى الإمعان في الغطرسة والإخضاع. لكن يتوجب عليها إدراك حقيقة مفادها أن الشعوب لم تعد تكثر لشعور أمريكا بالقلق أو الغضب أو الارتياح حيال معتقداتها الدينية.
لم تعد الشعوب تأبه سوى بالهزيمة الأخلاقية المدوية لواشنطن والصهيونية العالمية، وأفولهما الاستراتيجي، وإنها تراقب عن كثب وباهتمام بالغ الساعة الصفر، لإعلان التقهقر الأمريكي إلى ما وراء الأطلسي، بعد كل الألم الذي سببته هذه الدولة لملايين البشر، نتيجة ركضها مثل وحوش البرية بحثا عن الثروات والموارد لنهبها واغتصاب أراضيها.
aljazairalyoum.dz