بقلم Hope&ChaDia
في مشهدٍ يتكرر كل عام، أعلنت عدة دول عربية بداية عيد الفطر في تواريخ مختلفة، لكن هذا العام شهد حالة لافتة للانتباه: عُمان والإمارات، دولتان متجاورتان جغرافيًا، أعلنتا العيد في يومين متباينين — الإمارات احتفلت يوم الأحد 30 مارس، بينما أتمّت عُمان رمضان ثلاثين يومًا واحتفلت يوم الاثنين 31 مارس. هذا الفارق، بين بلدين لا يفصلهما سوى بضع كيلومترات، يطرح تساؤلًا مشروعًا: هل هذا طبيعي، علميًا وفلكيًا؟
من الناحية الفلكية: لا يوجد سبب وجيه لهذا التباين
الحسابات الفلكية الدقيقة تُظهر أن الهلال لم يكن ممكن الرؤية مساء السبت 29 مارس في أي من الدولتين، لا بالعين المجردة ولا باستخدام المراصد الفلكية. ووفقًا لمركز الفلك الدولي ومراصد أخرى، فإن شرط الرؤية الفعلية للهلال لم يتحقّق لا في أبوظبي ولا في مسقط، ولا في أي منطقة من شبه الجزيرة العربية.
بالتالي، العلم الفلكي يدعم موقف عُمان التي انتظرت حتى غروب شمس الأحد 30 مارس قبل إعلان العيد. أما قرار الإمارات، والذي انسجمت فيه مع إعلان السعودية، فيُبنى على قبول شهادات الرؤية من مناطق خارج حدود الدولة — وربما على التقديرات أو الاجتهادات الفقهية غير المرتبطة بدقة المشاهدة.
العامل الجغرافي يفضح التناقض
وهنا يكمن ما هو غير طبيعي فعلًا.
عُمان والإمارات تشتركان في حدود مباشرة، وبالنظر إلى حجمهما الجغرافي المحدود نسبيًا، فإن فروق الرؤية الفعلية للهلال بينهما من الناحية العلمية تُعد شبه مستحيلة. الهلال، إن لم يُرَ في أبوظبي، فهو على الأرجح لم يُرَ في صحار أو نزوى. لا نتحدث هنا عن فرق توقيت بين اليابان والمغرب، بل عن نفس خط الأفق تقريبًا!
علميًا، يفترض أن تكون ظروف الرؤية متماثلة بدرجة كبيرة.
فإذا كان القمر غير قابل للرؤية في إحدى العاصمتين، فالأرجح أنه غير قابل للرؤية في الأخرى أيضًا — خصوصًا أن الاختلاف في خطوط الطول بين العاصمتين لا يتعدى 2 إلى 3 درجات، أي حوالي 8 إلى 12 دقيقة زمنية فقط.
المنهجية سبب الانقسام، لا القمر
السبب الحقيقي لهذا الانقسام لا علاقة له بالعلم، بل بالاختلاف في المنهجيات:
عُمان تتبع تقويمًا قائمًا على الرؤية المحلية فقط، بدقة وحذر كبير.
الإمارات، مثل السعودية، قد تقبل بشهادات من خارج أراضيها أو تعتمد على الاجتهادات الفقهية غير المرتبطة بالحسابات الفلكية الدقيقة.
بعبارة أخرى: نحن لا نختلف بسبب القمر، بل بسبب ما نقرره نحن بشأنه.
ألم يحن وقت إعادة التفكير؟
من وجهة نظري، استمرار هذا التباين بين بلدين متجاورين ومتقاربين جدًا جغرافيًا وعلميًا، يُعد غير مبرر إطلاقًا.
ليس هناك أي مانع شرعي من الاستعانة بالعلم الحديث، خصوصًا حين تكون الشهادات البصرية موضع جدل أو يصعب التحقق منها.
وقد آن الأوان، خاصة في دول تعتمد أحدث التكنولوجيا وتتباهى باستكشاف الفضاء، أن تنتقل إلى منهجية موحدة تجمع بين الدقة العلمية والمرونة الفقهية، تجنّب شعوبها هذا الارتباك المتكرر سنويًا.
ماذا عن الجزائر؟
اللافت أن الجزائر تعتمد مقاربة وسطية قد تكون نموذجًا يُحتذى به. فهي تشترط الرؤية البصرية للهلال، لكنها لا تفصل ذلك عن المعايير الفلكية، بل تستخدم الحسابات لتحديد إمكانية الرؤية من حيث المبدأ، وترفض شهادات لا تتماشى مع الواقع العلمي.
اللجنة الوطنية للأهلة، التابعة لوزارة الشؤون الدينية، تستند إلى شبكة رصد على مستوى التراب الوطني، لكن تتابع أيضًا توقعات المراكز الفلكية، وتضبط مواعيد التحري بدقة. وبهذا، تتجنّب في معظم الأحيان الوقوع في تضارب فادح مع المنطق العلمي، دون أن تتخلّى عن المرجعية الشرعية.
لذلك، قد تكون الطريقة الجزائرية توازنًا ناجحًا بين العلم والدين — توازن نفتقر إليه في العديد من الدول الأخرى.