سارة بوسنة
الدبلوماسية الجزائرية.. نجاعــة في الأداء وندية في التعامل
أكدت الجزائر كفاءة دبلوماسيتها بفضل توجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي أعطى منذ توليه رئاسة البلاد ديناميكية كبيرة وحركية منقطعة النظير للسلك الدبلوماسي من خلال نخبة جزائرية تمتلك الخبرة والقدرة على التحاور والتقريب بين وجهات.
عاشت الدبلوماسية الجزائرية فترة السبعينيات والثمانينيات عصرا ذهبيا حافلا بانتصارات دبلوماسية كبيرة، إذ أدت الجزائر دور الوساطة في حل العديد من النزاعات والأزمات الدولية والإقليميةو أبرزها أزمة الرهائن الأمريكية ـ الإيرانية وتسوية النزاع بين إيران والعراق سنة 1975.
مرسلي: نقـلة نوعيـــة ونجاعـة فـــي الأداء
يرى أستاذ القانون والعلاقات الدولية بجامعة تيبازة محمد مرسلي، أن الدبلوماسية الجزائرية قد شهدت منذ تولي الرئيس تبون مقاليد حكم الجزائر نقلة نوعية ومكانة ونجاعة في الأداء وثباتا على المواقف، من خلال استراتيجية دبلوماسية، كان قد أعلن عنها في حملته الانتخابية تعتمد على التحول من ردة الفعل الى صناعة الفعل، ووضع معالم لدبلوماسية اقتصادية فعالة تحاكي التغيرات الدولية الحاصلة في الفترة الحالية.
وتابع المتحدث، «استراتيجية رئيس الجمهورية في الدبلوماسية، ظهرت جليا على أرض الميدان من خلال استباق الأحداث ومواجهة الأخطار والتحلي بالندية في التعامل مع الدول والتركيز على السيادة التي يعتبرها خطا أحمر من غير المقبول تجاوزه، وهو ما لمسناه عندما انطلق قطار التطبيع الذي رفضته الجزائر جملة وتفصيل، حيث أكد الرئيس معارضته التطبيع مع الكيان الصهيوني وندد بالهرولة إليه.
على الصعيد الدولي، أفاد الأستاذ بأن الجزائر عادت لتتصدر المشهد الإقليمي، بعدما أعلنت تنظيم قمة الجامعة العربية، مطلع نوفمبر القادم، لمناقشة العديد من المسائل، بينها القضية الفلسطينية والنزاعات العربية والحروب بالمنطقة.
وباعتبارها دولة محورية في المنطقة الإفريقية، عادت الجزائر، وفق الأستاذ، لتؤدي دورا مهما في القارة من خلال التقارب الكبير مع دول الساحل والاتفاقيات المبرمة في مجالات الأمن والطاقة والتجارة.
العودة دوليا وإقليميا وشروع الجزائر في عقد اتفاقيات اقتصادية استشرافية ومذكرات تفاهم ستغير مجرى التاريخ والجغرافيا باستثمارات ضخمة ومناصب شغل وتبادل تجاري هام، المحور الذي تعمل الجزائر على تقويته مع بعض الدول النافذة عالميا والنماذج الناجحة اقتصاديا وعسكريا لبناء شراكات صلبة وتقوية العلاقات الثنائية، بما يخدم الشعوب في مختلف المجالات.
وجه آخر للجزائر الجديدة
ويرى أستاذ القانون محمد مرسلي، أن الزيارات التي أداها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى دول شقيقة وصديقة وجه آخر للجزائر الجديدة، وهاهي الدبلوماسية الجزائرية تعود بقوة وتأثير وفعالية وفي ذلك خطوة مبشرة تقود الجزائر نحو وضعية أكثر أريحية ونفوذا على المستويين الإقليمي والدولي.
وقد كشفت الزيارات التي قادت رئيس الجمهورية إلى كل من تونس وقطر والكويت ومصر وتركيا وإيطاليا، أن الجزائر قد استعادت قولا وفعلا وعملا صوتها بكل ثبات وفعالية، ونجحت في رسم مسار ربط علاقاتها خارجيا وإسماع صوتها في أهم القضايا الدولية والإقليمية.
ومن بين أهم المكاسب المحققة، اللقاءات التي يعقدها الرئيس تبون مع أفراد وممثلي الجالية الوطنية في كل البلدان التي زارها والتي سيزورها وهذه سابقة وتقليد جديد ووفاء بالعهود وبالالتزامات وربط للعلاقات المقطوعة خلال السنوات الماضية بين الدولة وأبنائها في مختلف بقاع العالم؛ بادرة متجددة من الرئيس تبون لإعادة الثقة للمغتربين لإشراكهم في البناء الوطني وفي مساعي الإصلاح والتغيير والإصلاح والتطوير.
عودة للمشهد الإعلامي العالمي
لقد عادت الجزائر، بحسب الأستاذ، إلى المشهد الإعلامي الدولي ولم تعد مغيّبة مثل ما كان حاصلا، للأسف، بسبب لوبيات معروفة بعدائها لكل تقارب بين الجزائر وبعض الدول الصديقة تاريخيا واقتصاديا.
الحركية التي تشهدها الدبلوماسية الجزائرية ضرورة فرضتها ظروف استثنائية يمر بها العالم والمنطقة، والبلاد على وجه الخصوص، من حيث ازدياد حجم التحديات التي تواجهها، كما أنه يعود إلى أهمية تنشيط دور الدبلوماسية الجزائرية في المحافل الدولية كقوة فاعلة إقليمياً ودوليا، بخاصة أن البلاد عادت إلى تفعيل دبلوماسيتها التقليدية، مستفيدة من سمعتها كراعية للسلم وخبرتها في التعامل مع الملفات الأمنية والمصالحة.
بن حداد: الثبات على المواقف العنوان الأبرز للدبلوماسية
وعن أهم الأدوار التي قامت بها وتقوم بها الدبلوماسية الجزائرية مؤخرا، قال الأستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية والنائب بالمجلس الشعبي الوطني هشام بن حداد، إن التحديات الإقليمية والدولية الراهنة في عالم أضحى يتصف بالتحول وعدم الاتزان في المواقف والقرارات، يفرض على أي دبلوماسية مسايرة هذه التحولات والتكيف مع المتغيرات.
فعلى الصعيدين السياسي والدولي، تؤدي دبلوماسيتنا دورا رائدا يضرب به المثال في الثبات على المواقف والمبادئ تجاه مختلف القضايا الإقليمية منها والدولية، تتقدمها القضية الفلسطينية التي تظل خالدة في وجدان كل جزائري، وهو ما عبر عنه رئيس الجمهورية في أكثر من خطاب رسمي، وثبّت ذلك من خلال الحضور اللافت للأشقاء الفلسطينيين في ذكرى الاحتفالات بستينية الاستقلال في صورة معبرة عن أصالة الموقف الجزائري وعدم تأثره بموجات التطبيع وبيع الكرامة والذمم، مرورا بالقضية الصحراوية التي تؤكد الجزائر في كل مرة عن أنها قضية تقرير مصير شعب.
إن أكبر امتحان للدبلوماسية الجزائرية خلال هذه الأيام وإلى غاية نهاية السنة، وفق الأستاذ، لمّ الشمل العربي وتقوية الصف الداخلي الفلسطيني وجمع كلمة الأشقّاء العرب على أرض الشهداء.
واستطرد في السياق، «طبعا للجزائر تاريخ وثقل يجعلها الكفيلة بإنجاح هذه المهمة، لسبب واحد وهي أن بلادنا والحمد لله تقف على نفس المسافة مع الجميع، ولسبب واحد وهو أنها لا تبيع ولا تشتري في القضايا، فما بالنا القضايا ذات البعد الإنساني والتحرّري».
على صعيد الدبلوماسية الاقتصادية والطاقوية، فإن الملاحظين، برأي المتحدث، يسجلون خلال هذه الأيام استفاقة اقتصادية قوية معبر عنها في عدة مسارات:
– تشريع قوي يفسره قانون الاستثمار الأخير.
– علاقات اقتصادية دولية قوية يعكسها التعاون والتفاهم الجزائري – الإيطالي.
– نهضة اقتصادية طاقوية تتجسد في خطوط الغاز الجزائرية التي تعد مكسبا وطنيا، ثم الإنجاز الأخير ويخص مشروع منجم غار جبيلات للحديد، لتؤكد بذلك بلادنا أنها قوة إقليمية دبلوماسيا، طاقويا، عسكريا، وفي المستقبل تجاريا وفلاحيا وعلميا لها مكانتها ويحسب لها ألف حساب.
وضمن المفاهيم الجديدة للدبلوماسية، تلتزم بلادنا ـ أضاف يقول ـ ببعث مسارات جديدة للدبلوماسية الجزائرية الحديثة ذات البعد البيئي والتكنولوجي والثقافي.
بشيري: مساعٍ لتطوير الدبلوماسية مع البلدان الإفريقية
في سياق آخر، أبرز الأستاذ بجامعة الجلفة عبد الرحمان بشيري، أهمية الدبلوماسية الجزائرية في حل النزاعات الإفريقية، مفيدا بأن هذه الأخيرة أدت دورا إيجابيا وفعالا في حل الصراعات الإقليمية والنزاعات المسلحة من أجل تكريس وتعزيز السلم والأمن، لاسيما في دول قارة إفريقيا.
وسعت مؤخرا لترسيخ وتكريس لغة الحوار لحل النزاعات التي تدور في بعض البلدان الإفريقية، على سبيل المثال ليبيا ومالي والصحراء الغربية وغيرها من البلدان تعيش توترات أمنية، وقد عملت الدبلوماسية الجزائرية على تأكيد اعتماد الحل السلمي لحل الصراعات الدولية والإقليمية، وتكريس السلم والأمن على الصعيد الإقليمي والدولي بوجه عام.
على الصعيد الإقليمي على وجه الخصوص تسعى الجزائر لبذل مساعيها وتطوير دبلوماسيتها مع البلدان الإفريقية، وذلك من خلال الاتفاق على الوسائل والآليات الكفيلة بتسوية النزاعات الدولية والإقليمية بالطرق السلمية دون اللجوء للحروب.
ech-chaab.com