سيف الدين قداش
يحاول بعض المتابعين إنتقاد خيارات السلطات الجزائرية المتعلقة بتأديب بعض الدول التي لا تعرف قدر الجزائر ومقامها، حيث انه لم تبقى الجزائر بتلك الدولة التي تغض الطرف عن بعض المهاترات التي تتعلق بخياراتها الدبلوماسية والاقتصادية والاستراتيجية، وليعلم هؤلاء أن تركيا على سبيل المثال رغم عدائها وقطعها العلاقات مع كثير من الدول لم يقل عليها أي أحد أنها معزولة أو دولة عدائية، وهي التي لديها علاقات مزمنة مع أرمينيا واليونان ( قبرص) وبالرغم من قطعها علاقاتها مع فرنسا ( قضية الأرمن) وألمانيا ( مهاترات مستمرة) ( أردوغان أمر بطرد سفراء 9 دول أوروبية مع الولايات المتحدة دفعة واحدة في قضية مطالبتهم باطلاق سراح المعارض ورجل الأعمال عثمان كافالا) وسوريا ( دخول الحدود ودعم المعارضة ) والعراق ( مطاردة الأكراد في داخل العراق وقضية مياه دجلة والفرات) ومصر ( الاخوان والانقلاب) والسعودية ( قضية خاشقجي) والامارات ( تورطت في إنقلاب جويلية 2016 مع جماعة خدمة – فتح الله غولن) والكيان الصهيوني ( غزة ) وروسيا ( إسقاط الطائرة 2016 )، وإغلاق أردوغان باب اللقاء مع سفير واشنطن بعد لقائه خلال الحملة الانتخابية مع مرشح المعارضة كيليشدار أوغلو، .. وغيرها، فيما عادت علاقاتها من موقع أقوى مع هاته الدول وبكثير من الحزم والهيبة ( الكيان الصهيوني توقفت بعد مصالحة متعبة!).
نفس الوضع عاشته قطر خلال عام 2014 بسحب سفراء السعودية، الامارات، والبحرين ثم في جوان 2017 بعد اللعبة الاماراتية المزعومة المتعلقة ببيان نُشر على وكالة الأنباء القطرية “قنا” حيث جرى طرد سفراء قطر وسحب سفراء الامارات، السعودية، مصر، البحرين، حكومة اليمن، موريتانيا، المالديف، تشاد، وخفضت الأردن، جيبوتي، السنغال تمثيلها الدبلوماسي، بينما الأمر متعلق فقط بصراع مصالح وتوزيع مواقف، فيما لم يصدر من قطر أي عداء مباشر، والتي تعرضت لحصار ومحاولة قلب الحكم طيلة عامين ونصف، إنتهت بانفراجة “العلا” بالسعودية وعودة المياه لمجاريها.
إن العلاقات الجزائرية-الفرنسية المتوترة منذ حرب التحرير لم تهدأ أو تستقر مثلما هي مع إيطاليا أو البرتغال، ولطالما كانت هذه الدولة متورطة في مكائد ضد الجزائر بداية من حرب الرمال وتسليح الجيش المخزني لتقويض أي مساعي لقيام دولة وجيش قوي بالجزائر التي كان الفرنسيون يعتبرونها القلب النابض والموقع الاستراتيجي جغرافيا وطاقويا بل والفردوس المفقود في المنطقة المغاربية. والحديث عن العلاقات الثنائية ذا شجون، وشهد مرحلة حاسمة خلال إقصاء المصالح الاقتصادية الفرنسية الانتهازية وطرد شركاتها بعد الحراك الشعبي المبارك، والاطاحة برجال فرنسا بدءً من أويحي ورجل نهب المال العام علي حداد الذي كان أشد المرتبطين بالمصالح الفرنسية، وعاشت العلاقات الثنائية توترا مستمرا لأن الفرنسيين لم يستصيغوا إزاحتهم عن إمتيازات تفضيلية و هامة، فضلا عن معاملتهم معاملة ندية وهو ماجعل الديك الفرنسي يصيح في كل جانب من خلال ألاعيبه وأدواته لتشويه السلطات الجديدة، مما عجل بسحب السفير الجزائري أكثر من مرة فضلا عن ألاعيب فرنسا في الساحل ودور الجزائر في كسر ولجم تأثيرها فيه.
المخزن بدوره وكما قال قنصله يعتبرنا دولة عدو، وهو فعلا أثبت ذلك في عديد المناسبات منذ الاستقلال، و كما قال ملمحا قائد أركان الجيش الوطني الشعبي المجاهد الفريق أول السعيد شنقريحة فانه فعلا “عدو كلاسيكي” ضرب الجزائر منذ إستقلالها وحاول قضم أراضيها، وتقويض وحدتها، وبقي يتأمر عليها في كل وقت وحين خاصة في تسعينات القرن الماضي من خلال دعم الجماعات الارهابية المسلحة لتكسير الجزائر والانفراد بالمنطقة المغاربية وتسوية القضية الصحراوية وفق حساباته الذاتية مع الاستعانة بالصهاينة التي كانت لهم حسابات ضد الجزائر التي أسست المقاومة الفلسطينية في على أراضيها عام 1964، ولمت شملها في الثمانينات بعد خروجها من بيروت وتأسيس الدولة الفلسطينية بالجزائر في 15 نوفمبر 1988 بنادي الصنوبر، إضافة لهذا فإن المخزن لم يكتف بتوسيع طموحاته الجغرافية للصحراء الغربية فقط بل للصحراء الجزائرية الجنوبية الغربية المحررة بالدم، الموصوفة لدى عياشة المخزن بدءً من علال الفاسي إلى الاسلاماوي أحمد الريسوني ” الصحراء الشرقية – بشار وتندوف” فضلا عن موريتانيا الشقيقة التي فرضت الجزائر على المخزن الاعتراف بها مرغما عام 1970 بعد أن كان يريد إحتلالها من خلال أراضي تندوف الجزائرية ورفض الرئيس المرحوم هواري بومدين ذلك رفضل قاطعا، ليرد الرئيس الموريتاني مختار ولد الدادة الجميل بعد ذلك، بالتحالف مع المخزن وفرنسا وإسبانيا لتقاسم الصحراء الغربية بعد توصية من المخابرات الصهيو-أمريكية بعدم تركها تنخرط ضمن المعسكر الاشتراكي السوفياتي، وإبقائها تحت سلطات نظام وظيفي مُتغرب وخاضع للصهيونية خاصة بعد عملية ياخين في ستينات القرن الماضي لتهجير 100 ألف يهودي مقابل مليون دولار للملك وعياشته!. لذلك فان ترك المخزن يتمدد مع طموحاته التوسعية يُعد خطر على الجزائر، بينما لديه جاران فقط بريين هما الجزائر والصحراء الغربية والبحر المتوسط والأطلسي، فيما الجزائر دولة إستراتيجية جيوبولتيكيا وهي محور المنطقة المغاربية بحدود ضخمة وست دول محاذية لحدودها بريا وأزيد من 1600 كلم كساحل بحري، لذا فقطع العلاقات مع الرباط بعد تطبيعها وإستقوائها بالقوى العالمية المتربصة بالجزائر وإنخراطها في مشروعها يُلزم الجزائر بأن تقطع علاقاتها مع المخزن لمجرد تطبيعه وليس فقط لأجل قضية الصحراء الغربية والتصدي له بحسم وحزم خاصة مع دخول دول خليجية عميلة ومُتصهينة في ألاعيبه وألاعيب الكيان الصهيوني القذرة.
بالنسبة لاسبانيا فان القبول بخياراتها مع عدم تحملها لمسؤوليتها التاريخية بازاء قضية الصحراء الغربية التي تعد مسألة مبدأ تبنته الجزائر بشكل غير رسمي منذ ستينات القرن الماضي وتأسست على أرضها جبهة البوليزاريو الاشتراكية عام 1973، بينما رفص المخزن الانخراط في مساعي الجزائر لعدم إغضاب مدريد، التي إحتلت الصحراء الغربية عام 1884( معروف بأن الأراضي الصحراوية كانت مهملة سياديا ولا تخضع لأي قوة بحكم أنها مناطق قاحلة ولاجباية منها للمخزن المعروف بالجباية أو أي نظام!) ، والذي لم يثبت تاريخيا انه إحتج أو قاد مقاومة لطرد الاسبان من أراضي الساقية الحمراء ووادي الذهب، بل جرى إحتلاله في نوفمبر 1912 من طرف الفرنسيين والاسبان الذي إحتلوا مناطق ساحلية في الشمال والساحل، فلماذا لم يجري إحتلاله مع الصحراء الغربية!، ولماذا قبل المخزن الاستقلال في أفريل 1956، دون الصحراء الغربية ولماذا إنضم للأمم المتحدة بخريطته من دون أراضي الصحراء الغربية، ولماذا لم يقد أي مقاومة لتحريرها من الاسبان طيلة عشرين سنة ولم يطلق رصاصة واحدة إحتجاحا على وجود الاسبان بها بعد استقلاله ( 1956 – 1976 عام خروج الاسبان من الصحراء الغربية) ، بينما حاول إحتلال جنوب غرب الجزائر والشعب جريح عام 1963 بعد 7 سنوات ونصف من الكفاح و 132 من الاستدمار الغاشم! وبالتالي لماذا يريد البعض ترك المخزن ليستحوذ على الصحراء الغربية، بينما هو له طموحات في التوسع بأراضي الجزائر خاصة إذا لمح أي ضعف، بل وفي تكسيرها مع جلب العدو الصهيوني للمنطقة المغاربية والتحالف معه ومع إمارات المؤمرات في الساحل وإفريقيا ضد مصالح الجزائر!
بخصوص النيجر ومالي فهذه أنظمة غير شرعية محاصرة دوليا وإقليميا، هشة سياسيا وإقتصاديا وشعبيا، ومقارباتها مخترقة من طرف قوى لاتريد الخير للمنطقة، فالحل الاستئصالي لسلطات مالي يُهدد بتحويل شمال مالي لمنطقة متأزمة أكثر مما كانت وهذا يهدد حدود الجزائر ويصدر لها أزمات هي في غنى عنها خاصة والمُكون الطارقي موجود بين الجزائر ومالي والنيجر، وهو مستهدف من طرف المخزن ودويلة المؤمرات والتصهين، وبالتالي فان الجزائر مع إنضمامها لمجلس الأمن مع قوة جيشها وقدراتها الاستراتيجية، هاته الدول هي من تحتاجها وتطلب ودها. خاصة أن هذه الأنظمة غير الشرعية وليس العكس، ولا أعتقد أصلا أنه ينبغي اعتبار تجميد العلاقات معها عاملا سلبيا، بل هو عامل إيجابي لاعادة كل طاووس مُتبختر لحجمه الطبيعي، بحكم أن الجزائر كانت خير سند لهذه الأنظمة غير الشرعية عندما حاصرها الاتحاد الافريقي والايكواس وغيرها.
259