شهد قصر الاتحادية بالقاهرة مؤتمرًا صحافيًا مشتركًا بين الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، ناقشا فيه مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، مؤكدين على تعزيز التعاون الثنائي في مجالات متعددة، خاصة في ضوء التحديات الإقليمية والدولية.
التحية والتقدير للشعب الجزائري
استهل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حديثه بتهنئة الجزائر وشعبها بمناسبة ذكرى ثورة التحرير، مشيدًا بتضحيات الشعب الجزائري ومقاومته للاستعمار، حيث أبدى فخره بتاريخ الجزائر ونضالها من أجل الاستقلال، مثمنًا العلاقة الوطيدة التي تجمع البلدين.
آفاق التعاون الثنائي
ركز الرئيسان على تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، وأشار الرئيس السيسي إلى الفرص الكبيرة المتاحة للتعاون بين الجزائر ومصر، حيث أعرب عن استعداد مصر لدعم مشاريع الاستثمار والبنية التحتية في الجزائر، مثل الطاقة والمياه والطرق والإسكان. كما أكد على جاهزية الشركات المصرية للتعاون في مشاريع البناء والتنمية العمرانية، معربًا عن شكره للمعاملة الطيبة التي تحظى بها الشركات المصرية في الجزائر.
من جانبه، عبّر الرئيس تبون عن دعمه لاستثمار الشركات المصرية في الجزائر، مشيرًا إلى أن التعاون في مجالات الطاقة والبناء يشهد تقدمًا، حيث أبدى ترحيبه بوجود الشركات المصرية واستفادتهم من تجربة مصر في بناء المدن والمشاريع الكبرى. وأكد على أهمية التبادل التجاري والاستثمار بين البلدين، مشيرًا إلى أن مصر هي الدولة العربية الأولى في توريد السلع للجزائر بقيمة تقارب المليار دولار، مع تطلعه إلى زيادتها.
التحديات الإقليمية: الأزمة في غزة
في ضوء الأحداث الجارية في غزة، تبادل الرئيسان رؤى مشتركة حول ضرورة التدخل الإنساني العاجل وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني. أشار الرئيس تبون إلى المعاناة اليومية التي يتعرض لها سكان غزة، من حصار قاسٍ تسبب في نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب، وصولًا إلى تهديد حياة المرضى في المستشفيات. أكد الرئيس تبون أن الجزائر تتابع هذه الأزمة بقلق شديد، وتعمل بكل السبل المتاحة على الساحة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني ووقف العدوان.
من جهته، أكد الرئيس السيسي على الجهود المصرية المستمرة لفتح ممرات إنسانية وتقديم المساعدات للفلسطينيين في غزة، وذكر المبادرة المصرية الأخيرة التي اقترحت هدنة إنسانية لمدة يومين للسماح بإدخال المساعدات وإطلاق سراح الرهائن. هذا الاقتراح لاقى دعمًا من الجانب الجزائري، الذي يرى في الهدنة خطوة نحو حل طويل الأمد يُمكّن الفلسطينيين من إدارة شؤونهم بأنفسهم في غزة دون تدخلات خارجية. شدد الرئيس تبون على أن الحل النهائي يجب أن يكون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، مشيرًا إلى دعم الجزائر المستمر لهذا الهدف في مجلس الأمن والمحافل الدولية.
الأوضاع في لبنان: منع امتداد الصراع
انتقل الحوار إلى الأوضاع المعقدة في لبنان، حيث أعرب الرئيسان عن قلقهما من إمكانية تفاقم الأزمة وانتشارها إلى الدول المجاورة. أكّد الرئيس تبون على موقف الجزائر الواضح في دعم استقرار لبنان، مشددًا على أهمية وقف التصعيد وتجنيب المنطقة مخاطر الانزلاق إلى نزاع أوسع. وتحدث الرئيس السيسي عن ضرورة احتواء الأزمة عبر حل سياسي يعيد الاستقرار إلى لبنان، حيث اتفق الطرفان على أن التدخلات الخارجية تسهم في زعزعة استقرار البلاد، وتزيد من معاناة الشعب اللبناني.
يشكل الموقف المشترك للجزائر ومصر خطوة هامة نحو تنسيق الجهود الدبلوماسية لتجنب أي امتداد محتمل للأزمة اللبنانية خارج حدودها، إذ يرى الرئيسان أن الحل يجب أن ينبع من الحوار الداخلي بين مختلف الأطراف اللبنانية لتحقيق توافق شامل. كما أبدى الجانبان استعدادهما لدعم أي مسعى يهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار في لبنان.
الأزمة الليبية: حل ليبي-ليبي من خلال الانتخابات
أكد الرئيسان أن الوضع في ليبيا يمثل تحديًا مشتركًا، نظرًا للتداعيات الأمنية التي قد تطرأ على المنطقة، خاصة لمصر والجزائر. شدد الرئيس تبون على موقف الجزائر الثابت في رفض التدخلات الأجنبية في الشؤون الليبية، ودعا إلى اعتماد حل ليبي-ليبي عبر انتخابات شرعية تمنح القيادة السياسية المستحقة لصوت الشعب الليبي. وأوضح الرئيس السيسي أن مصر ملتزمة بدعم ليبيا لتحقيق استقرارها الداخلي وتوحيد أراضيها، مشيرًا إلى أن القاهرة تدعو باستمرار إلى دعم المؤسسات الليبية وتمكينها من إدارة شؤون البلاد بشكل مستقل.
وتطرّق الرئيسان إلى التحديات الأمنية التي تؤثر على البلدين بسبب الصراع الليبي، حيث يشكل التهريب عبر الحدود والمجموعات المسلحة تهديدات أمنية مباشرة. كما أشار الرئيس تبون إلى أن الجزائر ستستمر في تقديم الدعم للجهود الإقليمية والدولية التي تهدف إلى إرساء السلام والأمن في ليبيا، مع التأكيد على ضرورة بناء مؤسسات قوية وشرعية تحت مظلة انتخابات حرة ونزيهة.
الأزمة في السودان: الدعوة إلى الحوار وتجنب التدخلات الخارجية
عبّر الرئيسان عن أسفهما العميق تجاه الأوضاع الإنسانية المتدهورة في السودان، الذي يعاني من نزاع مسلح بين فصائل داخلية، مما أثر على حياة المدنيين وزاد من معاناتهم. أكد الرئيس تبون أن الجزائر ترى أن الحوار هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام في السودان، مشيرًا إلى موقف الجزائر الداعم لحل سلمي بعيد عن التدخلات الخارجية التي قد تزيد من تعقيد الأزمة. وذكر الرئيس السيسي أن مصر تشترك مع الجزائر في رفض التدخلات الخارجية، وترى أن الحل ينبغي أن ينبع من إرادة الشعب السوداني.
وشدد الرئيسان على أن الحل في السودان يجب أن يؤدي إلى إقامة حكومة شرعية تستطيع تنظيم انتخابات تضمن الاستقرار المستدام للبلاد. ويعدّ موقف البلدين متسقًا مع مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، مع إيلاء أهمية كبيرة للتوسط وتشجيع الحوار بين الأطراف السودانية المتنازعة.
في الختام، يعكس المؤتمر الصحافي بين الرئيسين الجزائري والمصري وحدة الرؤى حول التحديات التي تواجه المنطقة العربية، خاصة في ظل التوترات الإقليمية المعقدة والمتداخلة. يعكس تنسيق المواقف بين البلدين رغبة مشتركة في تحقيق الاستقرار، وتعزيز العمل الدبلوماسي العربي، وتقديم الدعم للشعوب المتأثرة بالنزاعات لتحقيق السلام والتنمية المستدامة في المنطقة.
Hope & ChaDia