التحديات العالمية والإقليمية: واقع متغير
شهد عام 2024 سياقًا عالميًا متأزمًا، حيث تصاعدت الأزمات والصراعات الإقليمية بشكل غير مسبوق منذ انتهاء الحرب الباردة. طغت مظاهر الهيمنة على العلاقات الدولية من خلال الإفراط في استخدام القوة وانتهاك القانون الدولي بشكل صارخ. هذه التحولات أثرت بشكل مباشر على استقرار المجتمعات، خاصة في المنطقة العربية والقارة الإفريقية.
في فلسطين، كان العدوان الإسرائيلي على غزة أبرز مظاهر هذا التدهور، حيث قوبلت الانتهاكات بغياب ردع دولي، مما عمّق معاناة الشعب الفلسطيني وزاد من حدة الأزمات في المنطقة. كما عانت إفريقيا من تزايد الأزمات السياسية والاقتصادية وانتشار ظاهرة الإرهاب في منطقة الساحل، مما أضاف تعقيدات على الأوضاع الإنسانية في العديد من دول القارة.
على الصعيد العالمي، تجلى انعدام الاستقرار في ضعف المنظمات الدولية، خاصة الأمم المتحدة، التي باتت تعاني من عجز ملحوظ في حل النزاعات أو فرض احترام القانون الدولي.
الدبلوماسية الجزائرية: رؤية ومواقف ثابتة
في مواجهة هذا الواقع المتأزم، تبنّت الجزائر سياسة دبلوماسية نشطة وموجهة تهدف إلى حماية المصالح الوطنية وتعزيز حضورها الإقليمي والدولي. بتوجيه من رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، ركزت السياسة الجزائرية على أربعة محاور أساسية:
الصوت العربي والإفريقي داخل مجلس الأمن
الجزائر لعبت دورًا محوريًا في الدفاع عن القضايا العربية والإفريقية داخل مجلس الأمن، مركّزة على هموم شعوب هذه المناطق وتطلعاتها. هذا الجهد جاء بالتنسيق مع جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي، مما عزز مكانة الجزائر كمدافع أمين عن قضايا شعوبها الشقيقة.
نصرة القضايا العادلة
كانت القضية الفلسطينية في صدارة اهتمامات الجزائر، حيث سعت إلى وقف العدوان الإسرائيلي ودعم حل الدولتين وفقًا للشرعية الدولية. كما ركزت الجزائر على قضية الصحراء الغربية، مؤكدةً أن التواجد المغربي في هذه المنطقة يعد احتلالًا يجب إنهاؤه لضمان حقوق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.
تقريب وجهات النظر الدولية
الجزائر عملت كجسر تواصل بين الدول الدائمة العضوية وغير الدائمة في مجلس الأمن، وسعت لتوحيد مواقف الدول الإفريقية والعربية لإيجاد حلول توافقية تخدم الأمن والسلم الدوليين.
تعزيز القانون الدولي
سعت الجزائر لإعادة الاعتبار لمنظمة الأمم المتحدة كإطار جامع لحل النزاعات، مؤكدةً أن الالتزام بالقانون الدولي هو السبيل الوحيد لتحقيق العدالة والمساواة بين الدول.
إنجازات ملموسة على مختلف الأصعدة
في المحيط المغاربي
قادت الجزائر مبادرة لتأسيس آلية ثلاثية للتعاون بين تونس وليبيا، وشهدت هذه الآلية عقد قمتين تمخض عنهما مشاريع تعاون عملية. كما عززت الجزائر علاقاتها الثنائية مع دول الجوار المغاربي من خلال زيارات متبادلة بين رؤساء الدول، مما يعكس التزامها بدعم الاستقرار والتنمية في المنطقة.
في إفريقيا
دعمت الجزائر القضايا الإفريقية بقوة، حيث ساهمت في تحقيق مكاسب استراتيجية للقارة، مثل العضوية الدائمة لمجموعة العشرين وتمثيل إفريقيا بشكل أفضل في مجلس الأمن. كما ركزت على قضايا مكافحة الإرهاب في الساحل، مؤكدةً دورها كعنصر استقرار في المنطقة.
في العالم العربي
واصلت الجزائر جهودها لتعزيز العمل العربي المشترك، مطالبة بإصلاح هيكلي لجامعة الدول العربية لتفعيل دورها كمنظمة إقليمية. كما قامت بتطوير العلاقات الثنائية مع العديد من الدول العربية، مثل مصر وسلطنة عمان، عبر زيارات رسمية وتعاون مثمر.
في الفضاء الأورو-متوسطي
انخرطت الجزائر في مشاورات تمهيدية مع الشركاء الأوروبيين لمراجعة اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بهدف تجاوز التركيز على التجارة الحرة إلى شراكة شاملة ومتوازنة تعود بالنفع المتبادل على الطرفين.
على المستوى العالمي
لعبت الجزائر دورًا محوريًا في تأمين إمدادات الطاقة في ظل التحولات الهيكلية في قطاع الطاقة العالمي. استضافت قمة منتدى الدول المصدرة للغاز وأكدت دورها كشريك موثوق في تعزيز الأمن الطاقوي العالمي.
تحضيرات عام 2025: رئاسة مجلس الأمن في الأفق
مع اقتراب تولي الجزائر رئاسة مجلس الأمن، تتركز الجهود على تسليط الضوء على القضايا الرئيسية للعالم العربي والقارة الإفريقية. من بين المبادرات المخطط لها، تنظيم اجتماع وزاري لمناقشة تطورات القضية الفلسطينية، واجتماع آخر حول مكافحة الإرهاب في إفريقيا.
تهدف الجزائر إلى تعزيز حضورها كقوة اقتراح إيجابية داخل مجلس الأمن، مع التركيز على تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في إطار رؤية شاملة لتحقيق الأمن والاستقرار.
نجاحات إضافية على الصعيد الدبلوماسي
- الترشيحات الدولية: حصلت الجزائر على عدة مناصب دولية بارزة، مثل عضوية لجنة بناء السلام بالأمم المتحدة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، مما يعكس الثقة الدولية بدورها.
- التعاون الإفريقي: استمرت الجزائر في توطيد علاقتها مع الدول الإفريقية من خلال زيارات متبادلة ومبادرات مشتركة، مركزة على قضايا التنمية ومكافحة الإرهاب.
- الطاقة والبيئة: قادت الجزائر مبادرات لدعم التحول الطاقوي، مؤكدةً دورها كطرف فاعل في تحديد ملامح مستقبل الطاقة العالمي.
رؤية مستقبلية: تعزيز مكانة الجزائر في الساحة الدولية
مع نهاية عام 2024، يمكن القول إن الجزائر قد نجحت في تحقيق العديد من الأهداف الدبلوماسية الطموحة. العام المقبل يحمل تحديات جديدة، ولكن الجزائر أثبتت أنها قادرة على الاستجابة لها بفضل سياساتها الحكيمة ورؤيتها المدروسة. تسعى البلاد لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية وعالمية تسهم في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، مع حماية مصالح الوطن وتعزيز مكانته على الساحة الدولية.
في ظل توجيهات رئيس الجمهورية، ستواصل الجزائر العمل على استغلال الفرص وتجاوز التحديات، لتظل رمزًا للالتزام بالقيم والشرعية الدولية.