يُعد القطاع الفلاحي في الجزائر من بين المحاور الاستراتيجية للتنمية الاقتصادية، خاصة في سياق تقليل الاعتماد على عائدات النفط. وفقًا لتحليل الدكتور إسحاق خرشي، مدير المدرسة العليا للتجارة، شهد القطاع طفرة ملحوظة بفضل جهود الدولة والفلاحين، حيث ارتفعت قيمة الإنتاج الزراعي من 22 مليار دولار في عام 2020 إلى 37 مليار دولار بنهاية عام 2024.
الفلاحون في قلب التغيير
يرى الدكتور خرشي أن الفلاحين الجزائريين أظهروا إرادة استثنائية خلال الأوقات الصعبة، خاصة أثناء جائحة كورونا، حيث استمروا في العمل داخل مزارعهم لتوفير السلع الغذائية للسوق الوطنية. وأكد أن الرئيس عبد المجيد تبون يولي اهتمامًا خاصًا بهذه الفئة، معتبرًا الفلاحين حجر الأساس لتحقيق الأمن الغذائي.
جهود الفلاحين، المدعومة بالدعم الحكومي المستمر، أسهمت بشكل كبير في رفع مساهمة القطاع الزراعي في الناتج الداخلي الخام من 14% في 2023 إلى 15% في 2024، مما وضع الجزائر في المرتبة 32 عالميًا من حيث مساهمة الزراعة في الاقتصاد.
سياسات داعمة ومستقبل واعد
تطرق الدكتور خرشي إلى فعالية القرارات الحكومية في دعم الفلاحين عبر تحسين المسارات التقنية للإنتاج، وتعويض الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية كالفيضانات والحرائق. كما أشار إلى أن الجهود الحالية تركز على رفع مردود الهكتار من 30-35 قنطارًا إلى 60-65 قنطارًا، وهو ما يتطلب العمل على تحسين نوعية البذور، الالتزام بالتقنيات الحديثة، وتوفير المناخ الملائم.
إحدى الخطوات المهمة التي أُعلن عنها مؤخرًا هي تسوية ملف العقار الفلاحي، الذي يهدف إلى إدماج الفلاحين العاملين خارج الأطر الرسمية للاستفادة من التحفيزات الحكومية كالقروض والتوصيل بالكهرباء. هذه الخطوة من شأنها تقليل تكاليف الإنتاج وبالتالي خفض الأسعار النهائية للمنتجات الزراعية.
تقنيات حديثة لمواجهة التحديات
شدد الدكتور خرشي على أهمية تبني التقنيات الحديثة للنهوض بالقطاع الزراعي، خاصة في ظل توقعات بزيادة عدد السكان إلى 55 مليون نسمة في السنوات القادمة. استخدام التكنولوجيا، مثل الطائرات المسيرة (الدرون) لمسح الأراضي الزراعية وتقنيات الري الحديثة كالسقي بالبخار أو الأمطار الاصطناعية، يُعتبر حلاً واعدًا لزيادة الإنتاجية.
كما أشار إلى ضرورة دعم الشركات الناشئة في مجالات تطوير البذور، المسح العلمي، والتنسيق مع قطاع البحث العلمي والتعليم العالي، بالإضافة إلى استيراد المعدات الزراعية الحديثة في انتظار تصنيعها محليًا.
رؤية استراتيجية للقطاع
القطاع الفلاحي في الجزائر ليس مجرد مورد اقتصادي، بل هو ركيزة لتحقيق الأمن القومي، كما أوضح الدكتور خرشي. من خلال تكامل التقاليد الزراعية مع التحديث التكنولوجي، يمكن للجزائر تحقيق اكتفاء ذاتي في الحبوب التي تُعتبر سلعة استراتيجية، حيث تُنتج البلاد حاليًا نصف احتياجاتها فقط.
إن تحقيق قفزة في إنتاجية القطاع يتطلب استمرارية في دعم الفلاحين، تسوية مشاكل العقار، واستثمارات جدية في التكنولوجيا الحديثة، مما يجعل القطاع الزراعي أحد أهم المحاور لتحقيق التنمية المستدامة.
Hope &ChaDia