علوم المواطنين هي اشتراك غير المتخصصين مع الباحثين والعلماء في مشروعات بحثية في مجالات العلوم المختلفة، من علم الفلك إلى علم الحيوان والبيئة وغيرها، بما يحقق أهدافًا لكل من العلم والمجتمع، لم تكن لتتحقق لولا هذا التعاون
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية + مواقع التواصل الاجتماعي
لا تزال علوم المواطنين (Citizen Science) في العالم العربي غير منتشرة كثيرًا، وعلى الرغم من ذلك فهناك نماذج رائعة ومبادرات وقفت عليها الجزيرة نت في بعض الدول العربية تعطي الانطباع أن هذا النوع من التخصص في تزايد، وبأن الوعي بأهمية البيئة والحفاظ على التنوع الحيوي يحظى باهتمام كبير.
ففي الجزائر وسلطنة عمان ولبنان وغيرها، يسهم محترفو تصوير الحياة البرية -أحد أمثلة مجالات التعاون في إطار علوم المواطنين- مع خبراء علميين وباحثين جنبًا إلى جنب في تنشيط الحياة العلمية؛ وذلك من خلال المشاركة في نشر أوراق علمية أو إنجاز مؤلفات علمية وغيرها من النشاطات، التي لم تعُد حكرًا على الخبراء وذوي الاختصاص فقط.
وكما أشار موقع “نيتشر بورتفوليو” (Nature Portfolio) فإن علوم المواطنين -(وتسمى أحيانًا علوم المجتمع)- هي اشتراك غير المتخصصين مع الباحثين والعلماء في مشروعات بحثية في مجالات العلوم الطبيعية والطبية والاجتماعية، ومن علم الفلك إلى علم الحيوان، مما يحقق أهدافًا لكل من العلم والمجتمع، لم تكن لتتحقق لولا هذا التعاون.
تجربة الجمعية الجزائرية لتوثيق الحياة البرية
للجمعية الجزائرية لتوثيق الحياة البرية تجربة ثريّة في علوم المواطنين، فبالرغم من أن تأسيسها كان قبل أقل من عام؛ فإن نشاط أعضائها في الميدان -الذي يعود لسنوات عديدة- مكّنهم من دعم بحوث علمية من خلال مساهمتهم في اكتشاف أنواع جديدة من الطيور، تمت إضافتها إلى قائمة أنواع الطيور الجزائرية.
ومؤخرًا، نشرت الجمعية ورقة علمية في عدد ديسمبر/كانون الأول الجاري من دورية “أورنيس هانغاريكا” (Ornis Hungarica) حول اكتشاف ثلاثة أنواع من الطيور أسهم في إنجازها باحثون علميون، ومصورون كان لهم الفضل -كذلك- في اقتناص صور لها بصحراء الجزائر، ويتعلق الأمر بالوروار أبيض الحنجرة، وطائر كومباسو السنغال، والزغيم. حيث تم تصويرها في منطقة عين قزام بولاية تمنراست بالصحراء الجزائرية.
يقول رئيس الجمعية الجزائرية لتوثيق الحياة البرية عبد الله حدون في تصريح للجزيرة نت عبر الهاتف “لدينا مساهمات عدة في نشر أوراق علمية من خلال الإنجازات التي حققناها في الميدان، إذ تمكّنا من اكتشاف أنواع جديدة من الطيور، التقطتها عدسات كاميرات زملائنا في الجمعية، وتمت إضافتها إلى قائمة طيور الجزائر”.
وأضاف حدون أنهم تمكّنوا خلال عام 2021 -على سبيل المثال- من اكتشاف ثلاثة طيور جديدة كانت محلّ الورقة العلمية سابقة الذكر، وهذا العام تمكّن أعضاء الجمعية -أيضًا- من اكتشاف ثلاثة أنواع جديدة، ستكون محلّ ورقة علمية تُنشر العام القادم.
من جهته قال المصور وليد صوكو -وهو أحد المشاركين في الورقة العلمية- في تصريح للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني “المفاجآت لا تكاد تنتهي، فكل عام تقريبًا نتمكّن من اكتشاف أنواع جديدة، فبعد الطيور التي اكتشفنا منها الكثير، تمكّنا مؤخرًا من اكتشاف نوع من الفراشات الجديدة، سيكون محلّ ورقة علمية قريبًا”.
المتعقّب محمد الرواس من سلطنة عمان
وفي سلطنة عمان يتصدّر المصور المحترف محمد الرواس مشهد علوم المواطنين بمساهماته الكثيرة والقيمة في الحياة العلمية، إذ إن له مشاركات في إعداد كتب ومؤلفات علمية؛ من خلال الصور الحصرية التي تمكّن من اقتناصها في صحراء السلطنة، أو من خلال مشاركته دليلًا في الجولات العلمية.
يقول محمد الرواس في تصريح للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني “كنت سابقًا من هواة الترحال والتخييم، وكنت أثناء ذلك أستخدم الكاميرا والتصوير هواية، ومع مرور السنوات دخلت عالم الاحتراف عام 2015، حيث اخترت تصوير الحياة البرية بناء على خبرتي السابقة في ذلك، وقد مكّنني ذلك من اكتشاف جوانب ليست موجودة في الكتب العلمية، وهذا الذي دفعني إلى احتراف التصوير”.
وأضاف محدثنا “شاركت مع الدكتور عبد الهادي العوفي أستاذ العلوم البيئية من السعودية في إعداد تقرير علمي حول الثعابين في الجزيرة العربية، وقد سمحت لي تجربتي بمشاركة الخبراء في المجال بالصور وبالمعلومات التي جمعتها طوال سيرتي، حيث تأكّد لي بأن الكوبرا العربية هي نوع واحد، ولكن يختلف لونها من منطقة إلى أخرى”.
وبالإضافة إلى مساهمته في إنجاز الكتب العلمية، سبق لمحمد الرواس تزويد طلبة العلوم بجامعة السلطان قابوس بصور الطيور والزواحف لإنجاز البحوث العلمية، ومرافقة فرق البحث العلمي -أيضًا- في رحلاتهم العلمية دليلًا، وذلك لِما له من خبرة في الحياة البرية وتعقّب الحيوانات، وقد أُدرج اسمه في الورقة العلمية التي تم فيها الإعلان عن اكتشاف نوع جديد من العناكب في السلطنة، التي سُمّيت الأرملة السوداء البرية.
كما شارك محمد الرواس في إنجاز كتيب حول الطيور الجارحة في عمان الذي أشرفت على إنجازه جمعية البيئة العمانية عام 2020، وفي ذلك يقول محدثنا “شاركت في هذا بالصور التي تمكّنت من التقاطها باحترافية، حيث أقوم بتعقّب الطيور والحيوانات البرية بصفة عامة، وهذا ليس متاحًا للجميع؛ لأنه يتطلّب مهارات ودراية مسبقة بسلوك الحيوان الذي تريد تصويره ومواقعه كذلك، وهنا أريد تأكيد أن اختيار وسائل التصوير المناسبة له دور كبير في الحصول على صور الحيوانات والطيور، خاصة في الليل”.
اللبناني رامي خشاب متعقّب الزواحف
احترف اللبناني رامي خشاب تصوير الحياة البرية منذ سنوات، حيث تخصص في مجال الزواحف التي يعتقد أنها مظلومة، خاصة في الوطن العربي، فهي عرضة للصيد الجائر وكثير من الناس يصطادونها للمتعة فقط، بالرغم من أن لها دورًا في الحفاظ على التوازن البيئي.
يقول رامي خشاب -وهو أحد مؤسسي جمعية “الحياة البرية اللبنانية“- في تصريح للجزيرة نت “عالم الزواحف غامض والقليل من المصورين مَن يوجّه عدسته له، وأنا مهتم كثيرًا بهذا العالم المظلوم، وهدفي الأساسي من كل ما أقوم به هو التعريف بأهمية وجودها، والمساهمة في توعية الناس بضرورة الحفاظ عليها”.
احترافية رامي خشاب قادته للمشاركة بصوره في إنجاز كتاب علمي حول الأفاعي في الأردن بعنوان “أطلس الحيات في الأردن“، والذي أشرف على تأليفه الدكتور الأردني إيهاب عيد، وإنجاز كتيب علمي -كذلك- بعنوان أفاعي لبنان Snakes of Lebanon.
يقول رامي خشاب في تصريح للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني “بحكم أن المنطقة العربية تشترك كثيرًا في أنواع الأفاعي، فقد أسهمت بصوري في إنجاز كتاب حول أفاعي الأردن، تحت إشراف الدكتور إيهاب عيد، وبعدها ألّفت كتابًا حول أفاعي لبنان باللغتين العربية والإنجليزية، جمعت فيه -تقريبًا- كل أنواع الأفاعي اللبنانية”.
ويضم كتاب أفاعي لبنان صورًا لكل أنواع الأفاعي اللبنانية وأسماءها بالعربية والإنجليزية، مع ذكر مواطن عيشها والمعلومات الأساسية حولها، لذلك يعدّ دليلًا علميًا يهدف إلى التوعية بأهمية هذه الحيوانات.
وأضاف محدثنا حول أهمية هذا الدليل “هناك نقص كبير في المعطيات حول الحياة البرية في لبنان خاصة الأفاعي، ولذلك فقد جاء كتابي ليسد ثغرة حول الحياة البرية في لبنان، وعلى وجه الخصوص: الزواحف والبرمائيات، ويقدم إضافات للجمهور العام وللباحثين العلميين على حد سواء، وقد تمكّنا العام المنصرم من توثيق نوع جديد من الأفاعي اسمه الثعبان الأرقم الصحراوي”.