في أدبيات ماو تسي تونغ، كان “النمر الورقي” هو ذاك العدو الذي يبدو قويًا من بعيد، مرعبًا في مظهره، لكنه فارغ من الداخل، هشّ في جوهره. استخدم الزعيم الصيني هذا التعبير لوصف الإمبريالية الأمريكية، معتبرًا أن “العدو قد يمتلك السلاح، لكنه لا يمتلك الإيمان، ولا يمتلك الأرض”. واليوم، يعود هذا المفهوم ليصف مشهدًا مشابهًا: قوى تبدو جبارة في خطابها، لكنها تتخبط حين تُختبر حقًا في الميدان. إيران، بعد أن تعرضت لهجوم خاطف ومدمّر، لم تنهَر… بل كشفت هشاشة تلك القوى التي لطالما بدت بلا شروخ. هذه ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل لحظة انكشاف حضاري وسياسي لنمرٍ، لا يخيف إلا الورق.
١. الضربة الزائدة: إيران تتعرّض للهجوم والعالم يراقب
لم يكن هذا مجرد غارة أخرى في منطقة تمزقها الحروب. ما جرى في قلب الليل كان هجومًا منسّقًا، متطورًا، نُفّذ في وقت كانت فيه إيران لا تزال جالسة إلى طاولة المفاوضات. جورج غالاوي وصفها بأسلوبه المعتاد: «دخلوا كاللصوص». عملية على طريقة بيرل هاربور، استهدفت فيها أجهزة الاحتلال الإسرائيلي، بدعم لوجستي غربي، جوهر السيادة الإيرانية.
لكن على عكس ما كان يأمله المخططون، صمدت إيران. وما كان يُفترض أن يكون صدمةً، تحوّل إلى ردّ محسوب بدقة. وبحسب غالاوي، فإن المتضرر ليس فقط الكيان الصهيوني، بل أيضًا صورة المناعة الغربية التي تتهاوى مع كل صاروخ فرط صوتي يسقط على حيفا.
٢. حرب في الظل: طائرات مسيّرة، دعاية، وأهداف مدنية
الدكتور محمد مرندي، في مقابلة من طهران، لا يخفي شيئًا: لم يعد يبيت في منزله، وهاتفه المحمول أصبح تهديدًا محتملاً لجيرانه، والهجمات تستهدف الأبنية والرموز على حدّ سواء.
يتّهم بوضوح: «شركات أمريكية للذكاء الاصطناعي تساعد الاحتلال في تحديد الأهداف»، بينما تتناوب المسيّرات والعملاء السريون ومرتزقة من القاعدة وداعش على إرهاب السكان. لسنا أمام صراع ثنائي، بل أمام حرب هجينة، بأبعاد تكنولوجية ونفسية وإعلامية.
والغرب يلعب لعبة مزدوجة لم يعد يكلّف نفسه عناء إخفائها. طائرات التزود بالوقود الألمانية التي رُصدت فوق سوريا، القواعد الأمريكية في الإمارات وقطر التي تُستخدم كمنصات إطلاق، والإعلام الغربي المرتبك لكنه متواطئ — كلّها مؤشرات تؤكد أن إيران تواجه أكثر من عدو.
٣. عزلة الغرب… وثأر الجنوب العالمي
المفارقة صارخة: بينما تكرّر العواصم الغربية شعاراتها المعلبة عن «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، يحتفي الجنوب العالمي بإيران كرمز للمقاومة.
غالاوي يصرّ على أن «إيران أصبحت بطلة الجنوب العالمي، والعالم العربي، والعالم الإسلامي… وحتى ملايين الغربيين الذين تمردوا على النظام القائم». وهو محق: التضامن يتوسّع، رغم محاولات النخب الأورو-أطلسية قمع الغضب.
أما مرندي، فيضيف نبرة مريرة: الغرب لا يعترف بنا كبشر. مصطلح «عماليق»، الذي يستخدمه الصهاينة المتطرفون، يعبّر عن شعوب يعتبرون أنه من المشروع إبادتها. من هنا، يصبح كل شيء مباحًا: تجويع غزة، قصف أطفال طهران، أو إخفاء مراكز القيادة الإسرائيلية تحت المستشفيات.
٤. هل سقط المحرّم النووي؟
لكن السؤال الأثقل، الذي طرحه غالاوي مباشرة، هو:
«لو كانت إيران تملك سلاحًا نوويًا، هل كان هذا الهجوم سيقع؟»
الدكتور مرندي لا يجيب بصراحة، لكنه لا يُخفي تغيّر المناخ الفكري. إيران، التي التزمت لعقود بمبدأ ديني وأخلاقي ضد أسلحة الدمار الشامل، بدأت تُراجع موقفها. الخوف من المحو، المثال الكوري الشمالي، والتهديدات المتكررة، كلّها تدفع باتجاه مراجعة العقيدة.
«العالم لا يفهم إلا لغة الردع»، يلخّص غالاوي. ويضيف مرندي: «إذا أصبحت العدوانية تهديدًا وجوديًا، ستتغير عقيدة إيران».
٥. هزيمة أخلاقية واستراتيجية… وربما تاريخية للغرب
سواء أحببنا إيران أو لا، فإن الهجوم الإسرائيلي شكّل نقطة تحوّل. أسطورة الإفلات من العقاب الغربية انهارت. محور أمريكا–إسرائيل خسر السيطرة على السرد. وما كان يُفترض أن يكون عرضًا للقوة، يتحوّل إلى انتحار دبلوماسي.
الرسالة الإيرانية واضحة: يمكنهم أن يضربونا، لكنهم لن يستطيعوا إسكاتنا.
والعالم يراقب.