الجزء السادس التحضير للثورة
لم تكن الايام التي تلت تفكيك المنظمة الخاصة في عام 1950 يسيرة على المناضلين الذين انضمّوا إليها لأربع سنوات خلت، قضوها خاصة في التدريبات الشبه عسكرية في الجبال، وحتى إن كانت لهم بعض المحاولات التخريبية، الا أنهم أحسّوا لأول مرة أنهم يقفون في وجه المستعمر الغاصب.
كانت صعبة ايامهم تلك و هذا ليس جراء ما تعرضوا له من سجن أو ملاحقات، على العكس تماما، بل لِما آلت اليه أمور الحزب ، إذ كثر اللغط و قد سُجن الزعيم من جديد في فرنسا … هكذا كان يُلقَّب مصالي الحاج بين المناضلين الذين و بعد هروب الكثير منهم من السجون أخذ منهم الحزن مأخذا كبيرا حيث بدأ اليأس في الوُلوج الى قلوبهم و نالت الحسرة منهم الكثير …
ظمت المنظمة السرية ما يقارب على 4500 مناضل، أغلبهم ذاب في الطبيعة و أصبحوا خلايا نائمة، جاهزين لأي مستجد على شرط أن يكون عمل مسلح.
كانت اسماء بن بولعيد و زيغود اللذان هربا من سجن بونا عنابة ، بوضياف،ديدوش،محساس،آيت أحمد،بيطاط،بوصوف،كريم،بن مهيدي،أوعمران بن طوبال، بن عودة… و غيرهم و حتى محمد خيضر النائب في البرلمان الذي كان يمدّ زملائه بالمعلومات من داخل الإدارة الاستعمارية … كل هذه الاسماء اصبحت معروفة لدى الشرطة الفرنسية،الا انهم لم يشكّوا يومها ان هؤلاء الشباب المجرد من كل شيئ سيقوم بثورة القرن و يسقط جمهوريتهم الرابعة و كاد أن ينسف بفرنسا ذاتها لولا فطنة ديغول رئيس فرنسا قبيل الاستقلال الجزائري.
كان هذا هو الجو السائد في ربيع 1954 لما عاد بوضياف و ديدوش الى الجزائر لأخبار باقي المناضلين لِما توصلوا اليه من محادثات مع محساس في باريس على أن الجالية في فرنسا جاهزة كي تساهم في أي عمل مسلح…
كان زبير بوعجاج واحد من تلك المنظمة المفككة، و كان يعمل كبائع قطع غيار السيارات عند معمّر فرنسي… كان مولوعا بكرة القدم و دائم الدعابة و الضحك…
إيه يا زبير !!! الحب يأسر صاحبه، أليس بالظالم، هذا الحب؟؟ … قال المعمّر الفرنسي صاحب الشركة لما رأى زبير بوعجاج سارحا بأفكاره –
أأأم أأههههه… (ضحك الزبير)… إنه أظلم الظالمين (الزبير يعني فرنسا طبعا)… و أكمل عمله و هو يلوم نفسه لِما بدى عليه من شرود الذهني –
كان زبير بوعجاج في تلك الحالة لأنه كان قد إلتقى بصديقه ديدوش مراد،امس الأحد، عطلة نهاية الأسبوع و لم يستوعب بعد بعد الفرحة التي غمرته بلقاء صديقهالحميم و الذي أخبره أن العمل المسلح سينطلق من جديد و أنهم على موعد في امسية ذاك الإثنين مع بوضياف و بِطاط في إحدى منازل القصبة
كان الاتفاق بين ديدوش و بوضياف عند نزولهم من سلّم الطائرة التي نقلتهم من باريس هو أن يجمعوا أعضاء المنظمة الموثوق بهم فقط و هذا تباعا،حتى لو استغرق ذالك وقتا كبيرا… و هذا الذي جرى بالضبط
ا- السلام عليكم، قال ديدوش و بوعجاج حين دخلا على بوصياف و بيطاط و مدّ الزبير يده اليمنى و سلّم على بوضياف بلمس اليد ثم يأخذها نحو صدره (قلبه، هكذا كان يسلم الجزائرييون حينها، و لا يزالون الى اليوم أظن) و كذلك فعل الآخرون
إذًا نعيدة المنظمة الخاصة للحياة ؟؟ قال بوعجاج (هذا ما فهمه من ديدوش ليلة أمس، على الأقل –
نعم و لا ،ردّ بوضياف مبتسِما –
هو عمل مسلح حتما، أردف ديدوش، غير انه سيكون أكثر تنظيما –
هذا جواب “النعم” ، اما فيما يخص “لا” فاعلموا يا الخاوة أن الحزب يكاد ينفجر و ضف على ذلك ، الزعيم موجود في إقامة جبرية بفرنسا –
لكن هذا لا يمنع ، قال زبير –
كلا يمنع و يضرنا كثيرا، ردّ بيطاط … أتريدنا أن نكون جناحا مسلحا لحزب لا يكاد يقف على رجليه و زد، عنده نوابا في الادارة الاستعمارية التي لا نعترف بها نحن أصلا
طأطأ بوضياف و ديدوش مراد رأسيهما، موافقيْن على ما سمعاه –
و العمل ؟؟ قال بوعجاج –
العمل ؟ هو قوة ثالثة، قالها بوضياف و أشعل سيجارته ثم وقف و كأنه ينوي الإنصراف –
كان محمد بوضياف من الناس الذي يظهر على وجوههم ما تنطوي عليه سرائرهم ، فيكون انفعالي و جدّي لما يتعلق الامر بالذي تعلّق به قلبه مذ نعومة أظافره أي : تحرير الجزائر
و الحزب ؟ مذا نقول لهم؟؟ أنتجاهل الزعيم سيدي الحاج ؟؟ هذا هراء، صاح زبير ناسيا نفسه كعادته
من قال هذا ؟؟، ردّ عليه بوضياف برباطة جأش غير عادية و كأنه غاضب منه … لم نكن نحن من جعلهم يختلفون، بل هي السياسة (بنت الكلب)…
نحن القوة الثالثة التي سوف تجمعنا نحن،أتباع سيدي الحاج، مع هؤلاء المثقفين المتمحورين وراء اللجنة المركزية للحزب و قائدهم حسين لَحْوَل (المركزيّون)…و نقطة الى السطر
و إن رفضوا ، تسائل ديدوش مراد –
ليس لهم خيار يا سي مراد،قالها بوضياف و القلق بادٍ على وجهه –
أفترق الأصحاب على أن يلتقوا قريبا ، بعد اخبار باقي الاعضاء بقرار القوة الثالثة الجامعة للحزب و التي سوف تكون ثورية بامتياز.
—– يُتْبع —–
:الأجزاء السابقة