التخطيط للثورة المباركة
كان الجو باردا يومها في باريس يتخلله تساقط للأمطار بين الفينة والأخرى… كان هذا في إحدى أيام مارس 1954.
كان حواسي مبارك يستعد للقاء محمد بوضياف، المسؤول الأول في فرنسا لحزب MTLD لمؤسسه مسالي حاج في إحدى مقاهي ضواحي باريس. كان يعلم أن بوضياف سيأتي مرفوقا بنائبه بمراد ديدوش كعادته و هذا لتوثيق ما قد يدور بينهما من تفاهمات.
دخل مبارك الى مقهى Royal Odéon و كان توجُّسه كبيرا رغم أن هوِيَّته المزوّرة كانت متقنة لأبعد الحدود و ضف على ذلك أن الشرطة في باريس كانت تجهل أن مبارك حواسي هو في الأصل أحمد محساس مرتكب السَّطوْ المشهور على بريد وهران مع زميله أحمد بن بلّة في 1950 و قد هربا من سجنهما عاما واحدا بعد هذه الحادثة… فانتقل محساس الى باريس و بن بلّة الى القاهرة.
كان هذا اللقاء الثالث بينهم و دارت نقاشاتهم الطويلة حول ما آل اليه الحزب من انقسامات و توصلوا لفكرة إعادة تجربة “المنظمة السرية” O.S التي فُكِّكت في 1950 من القوّات الاستعمارية لأنهم رأوا أن السياسة لا تنفع مع المستعمرين و أن ما أُخِذ بالقوة،يُسترجع بالقوة.
كان هذا هو التفكير السائد حينها عند جُلّ شباب MTLD و هذا للحيوية و الطاقة التي يمتلكها شباب في عمرهم، إلا انهم نسوا أنهم تكونوا في أروقة الحزب و ان مسالي حاج أعطاهم ما كان ينقص شبابا في سنهم:التنظيم النضالي.
كان بوضياف و نائبه ديدوش يديرون شؤون الحزب في باريس و ضواحيها و كان تحت إمرتهم حوالي 60.000 مناضل و هذا شيئ لا يستهان به في السياسة ناهيك عن العمل المسلح.
بعد التحقق من خلُوِّ المكان من الخطر، جلس محساس و طلب كوبا من العصير و ما هي الا دقائق حتى دخل بوضياف و ديدوش و توجها الى طاولة صديقهما المشترك و بدأوا في ما جائوا لأجله: تحظير العمل المسلح في بلدهم الجزائر.
يطلبون قهوة أو عصير هذا لا يهمهم بل كل ما همّهم هو ثورتهم التي اصبحت دينا بالنسبة لهم… و في هذا اليوم من مارس 1954 كان آخر لقاء بينهم قبل أن يسافر بوضياف و ديدوش الى الجزائر في ليلتهم تلك عبر رحلة Le Breguet
deux-ponts الطائرة الأرخص حينها.
قبل عام من هذه اللقاءات كان السي الطيب الوطني ، محمد بوضياف قد أطلق فكرة الثورة ،أو بالأحرى العمل المسلح، لأنه لم يكن يظن يوما أن فكرته تلك سوف يكتب لها الله النجاح و تُجسد على أرض الواقع… إن كان مسالي حاج أبو الوطنية في الجزائر، و هو كذلك طبعا، فأن محمد بوضيف هو أبو الثورة الجزائرية… و لهذا السبب اخترت أن ابدأ هذا الجزأ الأول أو مقدمة إن شئتم بمحمد بوضياف و من كان يدور في فلكه… لأن في الجزائر، الأرض الطيبة، كانت الأمور تسير بوتيرة أخرى ، وتيرة سوف تصنع ملحمة القرن العشرين.
يُتبع…