الاقتصاد الجزائري في رواق مريح، ويواصل بناء مساراته القوية على ضوء استثمارات ضخمة ومكثّفة وإصلاحات هيكلية تاريخية، جعلت مؤسّسات مالية دولية تتوقع أن تتعزّز صلابته أكثر في المدى المتوسط، وعلى ضوء عديد المؤشرات اللافتة، وعلى ضوء ذلك ينتظر أن ينهي العام الجاري بالمزيد من المكاسب الإيجابية، بعد أن حقق قفزة في متوسط دخل الأفراد.
ملف: فضيلة بودريش وهيام لعيون وفايزة بلعريبي
echaab.dz/2024/07/11/الجزائر-وجهة-استثمارية-آمنة/
راهنت الجزائر على مواردها وخطّطت جيدا، فانطلق تنفيذ المشاريع موازيا للإصلاحات، على اعتبار أن الثورة المسجلة في مراجعة النصوص التشريعية، تمكّنت من إحداث تغيير غير مسبوق في الجزائر الجديدة، وهذا ما سمح بجعل أكبر المستثمرين في عدة قطاعات اقتصادية يتحمّسون لاختيار الجزائر كوجهة استثمارية آمنة ومفضلة، وانفتحت الجزائر على تجارب مهمة في عالم الاستثمار، وتمكّنت من استقطاب رؤوس الأموال وتستعد لتحويل الخبرة والتكنولوجيا.
جهود الجزائر حسمت بعد بلوغ ملامح نهضة فارقة ستؤسّس لاقتصاد يترجم حلم الجزائريين ويجسّد تطلعاتهم، إثر قطع أشواط كبيرة في تطوير البنى التحتية، والسعي لبناء اقتصاد منتج ومتنوع يستمد قوته من سواعد الجزائريين وثروات بلادهم بدعم من برنامج ضخم جعل الاقتصاد الجزائري لأول مرة يحقّق أفضل أداءاته على الاطلاق، وتواصل المساعي لجذب أكبر للاستثمار في قطاعات حيوية على غرار الصناعة والفلاحة وتشجيع الشباب على الابتكار، وبدوره قطاع الطاقة يوجد في مرحلته الذهبية في ظل الاستكشافات الجديدة، والحرص أكثر على الرفع من الانتاج وتنويع موارد الجزائر من الطاقات التقليدية وغير التقليدية لتكون حاضرة بقوة في الأسواق الخارجية.
ولا يخفى أنّ الاهتمام الدولي بالاقتصاد الجزائري نابع من أهمية الجزائر كأكبر بلد في القارة السمراء، وبالنظر إلى مساره الطويل في تمويل الأسواق الخارجية بالطاقة والمعادن والمنتجات الفلاحية والموارد البشرية الكفؤة، ومن الطبيعي أن ينتظر من الجزائر أن تنجح في بناء اقتصاد متين وسريع النمو، والمرحلة الأولى انتهت والرهان على المرحلة الثانية، ليتجسّد المشروع الاقتصادي الكبير والأول من نوعه في تاريخ الجزائر.
الخبير أحمد الحيدوسي: الجزائر مرشحة لتحقيق مكاسب اقتصادية كبرى
قدّم الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي قراءة دقيقة لأهم مؤشرات الاقتصاد الوطني الجاذبة في المرحلة الأخيرة، كاشفا عن العوامل المحفّزة لوتيرة النمو، ومراهنا على قوة تدفق الاستثمار وسرعة تنفيذ المشاريع في تغيير واقع وصورة الاقتصاد الوطني، وتناول مختلف المزايا التنموية القائمة ووصفها بـ “مفاتيح تدفق الثروة وتكريس المزيد من التنمية وتطور المنظومة الاقتصادية”.
عرض الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي جملة من الإجراءات، شكّلت جوهر الانطلاقة القوية لعجلة الاقتصاد الوطني، وقال بلغة متفائلة إنّه تمّ وضعها على السكة الصحيحة وسط ظروف ملائمة، معتبرا أنّ الحكومة عكفت على تنشيط الاقتصاد الوطني ورفع معدل النمو والناتج الداخلي الخام، من خلال إعادة بعث المؤسسات الاقتصادية الموشكة على الغلق، إلى جانب إطلاق مشاريع ضخمة في قطاع التعدين، على غرار استغلال العديد من المناجم مثل مناجم الحديد والفوسفات، بالموازاة مع تشجيع تدفق مشاريع القطاع الخاص..كل هذه الجهود – يقول محدّثنا – أفضت إلى نتائج إيجابية لمعدل النمو.
سوق مهمة ومضمونة
تطرّق الخبير الحيدوسي إلى خطوة إعادة النظر في عملية حساب الناتج الداخلي الإجمالي الخام بما يتماشى مع القوانين الدولية، وذكر أنه بلغ أزيد من 266 مليار دولار، وهو مرشح إلى الارتفاع أكثر من 400 مليار دولار، ولم يخف محدثنا أن هذه القفزة أثرت بشكل إيجابي على القدرة الشرائية، ما سمح بتحسن غير مسبوق للدخل الفردي بنحو 4960 دولار، وأوضح الحيدوسي أنّ هذا المكسب وضع الدخل الفردي المتوسط الأعلى حسب تصنيف البنك الدولي، وكانت هذه المؤسسة المالية الدولية، قد أشادت بهذا المؤشر كثيرا واعتبرته خطوة مهمة حققها الاقتصاد الجزائري وتستحق الدعم والتشجيع.
ومع عزم الجزائر بقيادة رئيس الجمهورية، على رفع معدل النمو إلى مستويات أعلى، تحدّث الخبير عن خفض معدل التضخم من 9 بالمائة مسجلة في عام 2022 إلى 6 بالمائة، متجاوزة كل تداعيات الجائحة، ويرى أن هذا المكسب سيؤثر بشكل إيجابي على تحسين أكبر للقدرة الشرائية من جهة، كما سيكون حافزا لجلب وتدفق استثمارات مهمة وتعزيزها من جهة أخرى، على أساس أن الشركات العالمية تبحث عن الفرص الاستثمارية الثمينة في مواقع يتمركز بها متوسط الدخل المرتفع، لتضمن بذلك سوقا مهمة ومضمونة الزبائن، وهذا الدخل المرتفع، ينظر إليه على أنه صمام أمان للاستقرار الاجتماعي، وعامل يحتل صدارة اهتمام المستثمرين الكبار.
وفي ضوء تقارير المؤسسات المالية الدولية الإيجابية عن الجزائر، أكّد الخبير أنّ الفضل يعود إلى رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الحريص بتوجيهاته على تحيين الأرقام بشكل دوري ودقيق، وأبرزها مؤشرات الاقتصاد الكلي، من أجل أن تكون صحيحة، وبالفعل صارت تقارير الجزائر مطابقة مع تقارير المؤسسات المالية والنقدية الدولية، والسر في كل ذلك أن المؤشرات الجزائرية محينة ودقيقة.
أرضية قانونية محكمة
ووقف الخبير الحيدوسي على الاهتمام الكبير المسجل من قبل البنك الدولي للجزائر، بفضل مسار نموها المزدهر ونهضتها الاقتصادية الجارية ومؤشراتها التنموية التصاعدية، ومن الطبيعي في ضوء الجدية والتفوق المسجلان – يواصل الخبير – أن يظهر البنك الدولي استعداده لمرافقة الجزائر، وقال الخبير إن طبيعة هذا الدعم والمرافقة ستكون في شكل زيارات وتقديم تقارير ونصائح، ولا شك أن ضوء التقارير الايجابية والمشجعة، تحسن صورة البلد وتشجع المستثمرين لدخول سوقه الواعدة المستقر.
ولم يخف أحمد الحيدوسي، أنّ الاقتصاد الجزائري قفز إلى مرحلة جديدة مختلفة ذات نجاعة عالية، وينتظر أن تتواصل على النهج نفسه بثقة وفعالية بفضل إصلاحات عميقة أحدثها رئيس الجمهورية، بداية من إرساء الأرضية القانونية وإنشاء الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، وسهر الحكومة على توفير مصادر التمويل، وبالإضافة إلى تحريك الدبلوماسية الاقتصادية في استقطاب وتشجيع الاستثمار عن طريق الترويج للإمكانيات والفرص المتاحة في الجزائر.
ويأتي تنفيذ المشروع الاقتصادي الجزائري الضخم والمتنوع ليعطي مؤشراته الأولى وثماره الجلية، وفي هذا الإطار يتوقع الخبير أن تظهر العديد من المكاسب والمزيد من المؤشرات الإيجابية في غضون ثلاث أو أربع سنوات، لأن الجزائر تسير في طريق صحيح ومهيأ، وسيظهر ذلك على نسبة النمو، ومن خلال تحقيق المزيد من الرفاهية على مستوى القدرة الشرائية.
وأثار الخبير سلسلة من المقترحات في خضم هذا الزخم الاقتصادي والجهود الكبيرة، وفي صدارتها حاجة الجزائر إلى سرعة أكبر في عملية التنفيذ، وعلى اعتبار أن السرعة حسب تقديره تتحقق من خلال الخبرة والتجربة، تماما مثل كرة الثلج، تبدأ صغيرة ثم تكبر ومن ثم ترتفع السرعة بشكل متزايد.
وضرب الخبير الحيدوسي موعدا فاصلا آخر للجزائر من أجل تحقيق المزيد من المكاسب من خلال الاستغلال الفعلي لمشاريع السكك الحديدية ودخول عملية استغلال المعادن حيز السريان، وتجسيد 7000 مشروع استثماري مسجل لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، ومع إطلاق مشروع سكنات البيع بالإيجار “عدل 3”، الحاملة للبعدين الاجتماعي والاقتصادي معا، سيشهد الاقتصاد الجزائري دفعة أخرى، على خلفية أن العقارات والبناء، تعد من القطاعات المحركة للاقتصاد، مشيرا إلى ميزة مهمة تتمثل أن جميع مدخلات إنجاز هذا المشروع السكني الضخم جزائرية محض، من حديد وإسمنت وطلاء، وغيرها.
أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة محمد العربي غزي: رفع معدل النمو.. تحسين الأداء والرهان على الكفاءة والفعالية
تتوالى تقارير الهيئات المالية الدولية، ومعها تصدر تصريحات تاريخية لمسؤولين دوليين تابعين لتلك المؤسسات المالية، تشيد بالتقدم الحاصل للاقتصاد الوطني، اعترافا بالإجراءات والإصلاحات السياسية والاقتصادية التي اعتمدتها الجزائر خلال السنوات القليلة الماضية، من أجل ترقية الاقتصاد الوطني والنهوض به، برغم ظروف عالمية متغيّرة ومتسارعة عجزت أقوى اقتصاديات دول العالم عن مواجهتها، حيث يشهد اقتصاد الجزائر حاليا ديناميكية غير مسبوقة.
أكّد أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة، البروفيسور غزي محمد العربي، أن تصريح نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي حلّ بالجزائر مؤخرا، حول التقدم الذي حقّقته بلادنا، يأتي ليؤكّد ما جاء في تقرير البنك الدولي حول الجزائر في شهر جانفي المنصرم، ولعل أهم ما أشار إليه التقرير نسبة النمو، حيث شدّد على أن الجزائر “حافظت على نمو اقتصادي ديناميكي في عام 2023، حيث سجّل الناتج المحلي الإجمالي زيادة بنسبة 4.1 ٪، بفضل الأداء القوي في قطاعات المحروقات وخارج المحروقات”.
وأبرز المتحدّث أنّ هذه المؤسّسة المالية التي تقدّم الدعم التقني للمنخرطين، وتعد تقاريرها بخصوص الاقتصاديات، أشادت بالإجراءات المتخذة من طرف بلادنا، والتي هي نتيجة لاستقلاليتنا المالية تجاه هذه المؤسسات المالية الدولية، ومن ثمة قال إنّ الجزائر في منأى عن كل التدخلات أو ما يعرف بحزم الإصلاحات الهيكلية والمالية التي تقدم للدول المستدانة.
الفلاحة.. قطاع سريع النّمو
شدّد المختص في الاقتصاد على أنّ هذا التصريح الصادر عن المسؤول في البنك الدولي، يمرر رسائل ايجابية عن الاستثمار السياسي والاقتصادي في البلاد، ما يدعم المواقف الجزائرية أمام المستثمرين الأجانب وبقية التكتلات الإقليمية.
وعن سؤال متعلق بالمؤشرات التي تعتمدها الهيئات المالية على غرار صندوق النقد الدولي الذي توقّع مؤخرا نسبة نمو بنحو 3.8 بالمائة في 2024، أكّد الخبير الاقتصادي أنّ تحسن المناخ الاقتصادي عموماً والمناخ الاستثماري، مع النمو الملحوظ لقطاع المحروقات مدعوما بالقطاع الفلاحي، وكذا تطور معدلات النمو خلال السنوات الماضية بالإضافة إلى الاستقرار السياسي، كانت كلها عوامل شكلت متغيرات لتوقع معدل نمو 3.8 بالمائة سنة 2024 بالنسبة لـ “الأفامي”.
وأضاف: “توقع معدلات نمو الاقتصاد الجزائري في السنتين القادمتين من طرف المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي) مبنية على توقع احترازي بتخفيض حصص الدول المصدرة للبترول على غرار الجزائر من جهة، وعلى التساقطات المطرية، من توقع حصول تذبذب أو موجات جفاف مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج الفلاحي، ومن ثمّ انخفاض معدلات النمو بشكل عام، بالنظر إلى مساهمات قطاع المحروقات في الناتج الوطني الخام، وبروز القطاع الفلاحي كقطاع سريع النمو في السنوات القليلة الماضية”.
أهم الإصلاحات..
بالمقابل، عاد البروفيسور للحديث عن أهم الإصلاحات الاقتصادية التي ارتقت بالاقتصاد الوطني، وأكد أنها تتمثل في عدة نقاط، أهمها تنويع النمو واقتصاد المعرفة، وكذا التوجه بالصناعة نحو الصناعات التحويلية والصناعات المتوسطة والمصغرة والناشئة، حيث عرف الاقتصاد الوطني ارتفاعا في عدد المؤسسات المصغرة في الصناعة والفلاحة، إلى جانب بعث عدد كبير من المؤسسات المختصة في البرمجيات المختلفة، خاصة ما تعلق بتصميم منصات رقمنة المؤسسات والإدارات وإنشاء العديد من المؤسسات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي.
إلى جانب ذلك، أشار المتحدّث إلى مراجعة الاتفاقيات الاقتصادية الدولية بما يخدم مصلحة الجزائر، ويضع حدا للبنود المجحفة والتي تحول دون تطوير اقتصادنا وصادراتنا وتبقينا في دائرة المستهلكين، فضلا عن “توفير المناخ الملائم للاستثمار من تقليص الإجراءات البيروقراطية لإنشاء المؤسسات وتسهيل عملية الحصول على العقار الصناعي والقروض البنكية ورقمنة كثير من المؤسسات ذات الصلة، على غرار السجل التجاري”.
ومن بين الإصلاحات التي باشرتها الجزائر – يقول الدكتور غزي – جرد الثروات الطبيعية غير المستغلة، وبعث عملية استغلال المناجم غير المستغلة على غرار منجم غارا جبيلات (تندوف)، أحد أكبر ثلاثة مناجم للحديد والصلب في العالم من حيث الاحتياطي الجاهز للاستغلال، والذي تبلغ احتياطاته المؤكّدة 3.5 مليار طن، ومنجم بجاية للزنك والرصاص، إلى جانب بعث الدبلوماسية الاقتصادية من خلال الترويج للمنتوج الوطني، خاصة نحو الأسواق الإفريقية، وكذا فيما تعلق بمختلف القضايا التي ترهن قدراتنا في الاتفاقيات الاقتصادية.
فضلا عن ذلك – يضيف الخبير – أنّ معالجة إشكالية العقار الصناعي شكّلت لعقود المشكلة التي تعوق معظم المستثمرين، ليبقى أهم إصلاح، هو إصدار قانون الاستثمار الجديد ونصوصه التنظيمية وهو انجاز يحسب للمشرع الجزائري، وسيساهم في الدفع بالاستثمار لما يقدمه من امتيازات كبيرة. فقانون الاستثمار الجديد يتوقف عليه نجاح كل الإصلاحات الأخرى، يؤكد محدثنا.
في السياق ذاته، اعتبر الأستاذ الجامعي أنّ ارتفاع الناتج الداخلي الخام في 2024 بنحو 266.78 مليار دولار وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي، جاء نتيجة للإصلاحات العميقة التي مست كل القطاعات الاقتصادية، والتي أتت بثمارها في فترة قصيرة، الأمر الذي يسهل عملية الاستشراف بمعدلات نمو الناتج الداخلي الخام للسنوات المقابلة.
وبخصوص ترتيب الاقتصاد الجزائري، حيث وضعه “الأفامي” في المرتبة الثالثة قاريا ضمن أهم الاقتصاديات، قال غزي إنّ المرتبة الجديدة المحققة من طرف الجزائر منطقية، بالنظر للقدرات المحلية والحركية الجارية، ويبقى هذا الترتيب في حد ذاته مهم من وجهة نظر المستثمرين الأجانب والمؤسسات المالية الدولية وشركات وهيئات التصنيف الدولية، لكن ما يهم الجزائر انعكاس هذا التطور في كل المؤشرات الكلية على رفاهية الفرد الجزائري وعلى إعادة خلق الثروة ومناصب العمل وتطوير البني التحتية”.
رهان الاقتصاد الأخضر..
وردّا على سؤال حول بروز الاقتصاد الأخضر، أكّد الخبير أن “ظهور مفهوم المؤشّرات الخضراء جاءت كضرورة لقياس تأثير الإنسان على البيئة، وتأثير قطاعات الكفاءة مثل النقل وصناعة الطاقة وتشييد المباني والسياحة، بالإضافة إلى تدفقات الاستثمار الموجهة إلى مجالات مثل الطاقة المتجددة وابتكار الطاقة النظيفة”، وذكّر في السياق، بتقرير الاقتصاد الأخضر الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2011، وينص على أنه “لكي يكون الاقتصاد أخضرا، لا ينبغي أن يكون فعالًا فحسب، بل أن يكون عادلًا أيضًا. إذ تعني هذه العدالة الاعتراف بأبعاد المساواة من الناحية المالية على المستوى العالمي والمحلي، وخاصة في ضمان التحول العادل إلى اقتصاد منخفض الكربون يتّسم بالكفاءة بالنسبة لاستخدام الموارد والشمولية الاجتماعية”.
وبهذا الشأن، أكّد محدّثنا أنه بالنسبة ـ في الجزائر، وبالنظر لخصوصية اقتصادنا “لا يمكن الحديث عن نفس المفاهيم والمؤشرات والأهداف المتبناة من طرف الدول المصنعة، مثلا بخصوص الاقتصاد الأخضر. وقال إن ما يجب التركيز عليه في إطار مفهوم التنمية الاقتصادية المستدامة هو رفع معدل نمو القطاع الفلاحي والعمل على تحسين أداء هذا القطاع ببعديه، وزيادة الكفاءة والفعالية خاصة أن نسبة الاندماج في هذا القطاع مرتفعة جدا”.
البروفيسور فريد كورتل: إستراتيجية الرئيس تبون.. رؤية استشرافية ومكانة عالمية
على مرأى دول العالم وفي مرمى أكبر الاقتصاديات العالمية وبشهادة الهيئات المالية العالمية، ترفع الجزائر عاليا راية الانتصار وتحقيق الهدف، بنتائج وصفها بالأمس المتتبّعون للشأن الجزائري بالصعبة المستحيلة، ووقف أمامها اليوم المخلصون من أبنائها بتقدير لمجهودات رئيس الجمهورية الذي حمل أمانة التغيير والإصلاح بإخلاص، فكانت النتائج على قدر النوايا. من التبعية إلى الاستقلالية ومن المرتبة الدنيا إلى العليا، تواصل الجزائر الجديدة توثيق مسارها بأرقام لن ينكرها إلا جاحد، ولن يتجاهلها إلا حاقد بعد أن اعترفت بها تقارير دولية على غرار تقرير البنك الدولي على لسان نائب رئيسه، الذي كشف عن انتقال الجزائر من الفئة الدنيا للبلدان المتوسطة الدخل إلى الفئة العليا بالاستناد إلى المؤشرات الكلية للاقتصاد الوطني التي تواصل تناميها محققة توازنات اقتصادية واجتماعية، ترجمها الاستقرار الاجتماعي وانتعاش متوسط الدخل السنوي للفرد الجزائري.يرى الخبير في الاقتصاديات الحكومية، البروفيسور فريد كورتل، أن تصريح نائب رئيس البنك الدولي حول صعود الاقتصاد الجزائري وفق معايير تصنيفات مجموعة البنك الدولي للبلدان حسب مستوى الدخل الفردي لسنة 2024-2025، يستند إلى كم من الدلائل والمؤشرات، وجب التوقف عندها والتذكير بها قبل التطرق إلى تفصيلها وتحليلها. من هذا المنطلق أوضح كورتل أن تقرير مجموعة البنك الدولي تضمن تقديرات تم بناؤها وفق قيمة الدخل الذي بني بدوره على مؤشرات الاقتصاد الكلي التي حققتها الجزائر خلال الأربع سنوات الأخيرة.
مؤشّرات تقلب الموازين
بداية تناول الخبير الاقتصادي، أوّل مؤشر متمثل في الصادرات الجزائرية التي اتخذت منحنى تصاعدي ما يبن سنتي 2020 و2022، محققة قفزة معتبرة من 23.8 مليار دولار سنة 2020 إلى 39.3 مليار دولار سنة 2021، لتصل إلى 54 مليار سنة 2022 ثم 53 مليار دولار، ويتوقع الملاحظون الاقتصاديون أن يستمر منحنى الصادرات الجزائرية في الارتفاع نهاية سنة 2024. أما بخصوص مؤشرات الواردات الجزائرية، فقد أوضح البروفيسور كورتل أن منحنى هذا الأخير عرف نوعا من عدم الاستقرار بين ارتفاع والتراجع، مفسرا ذلك باحتياجات السوق المحلية وضرورة الاستجابة لمتطلبات المواطن واحترام نمطه الاستهلاكي. وفي هذا الصدد، كان رئيس الجمهورية قد تعهّد بعدم حرمان المواطن من احتياجاته أيا كانت الحجج، حيث أوضح في العديد من لقاءاته الدورية مع الصحافة الوطنية، لدى سؤاله عن مسألة الاستغناء عن الاستيراد، أن الأمر يتعلق بالمنتجات المصنعة محليا التي حققت الجزائر اكتفاءها الذاتي منها، وسيكون الاستيراد آخر الحلول من أجل تحقيق الاستقرار التجاري على مستوى السوق المحلية، كاللجوء إلى استيراد اللحوم الحمراء خلال شهر رمضان، وغيرها من الإجراءات الاضطرارية التي تصب في صالح الفرد الجزائر. من جهة أخرى، قال المتحدث أن واردات الجزائر بلغت 34.4 مليار دولار سنة 2020، ثم 37.7 مليار دولار، لتتراجع بعدها نتيجة الإجراءات التنظيمية التي أقرّها رئيس الجمهورية لترشيد وتنظيم عملية الاستيراد، 36 مليار دولار سنة 2022، لتعاود الارتفاع بعدها مناهزة 41.5 مليار دولار، متوقع أن تقترب من 44 مليار دولار نهاية 2024.
أما المؤشر الثالث هو الميزان التجاري، بشقيه من الواردات والصادرات، عرف بدوره قفزة نوعية من القيمة السالبة إلى الموجبة، بلغو الأرقام من -10.6 مليار دولار، لصالح التجارة الخارجية -باب الواردات- قدر سنة 2021 بـ +1.6 مليار دولار و+18 مليار دولار سنة 2022، إنجاز سيحفظه تاريخ الاقتصاد الجزائري، فسّره كورتل، بزيادة قيمة الصادرات خارج المحروقات، الزيادات التي عرفتها أسعار النفط، سنة 2023، واصل الميزان التجاري للسنة الثالثة على التوالي، مساره التصاعدي الموجب، محققا فائضا بـ +11.3 مليار دولار، متوقعة للمزيد من الارتفاع نهاية سنة 2024.
ورقة الصّادرات خارج المحروقات الرّابحة
وتطرّق كورتل إلى أهم مؤشر – على حسب تقديره – كمعيار حاسم في تصنيفات البنك الدولي للدول، متمثلا في الصادرات خارج المحرقات، وهو المعيار الذي رفعت من خلاله الجزائر التحدي، وحقّقت نتائج كانت محل تشكيك، فيما مضى من طرف من كان ينتظر سقوطنا ويتمنى لجوءنا إلى الاستدانة الخارجية، والوقوع فريسة في فخ الإملاءات الخارجية، تابع كورتل، مؤكّدا أنّه منذ الاستقلال إلى غاية سنة 2022 لم تتجاوز الصادرات الجزائرية خارج المحروقات عتبة 1.6 مليار دولار، لترتفع الى 02 مليار دولار سنة 2020، ثم 05 مليار دولار سنة 2021، و07 مليار دولار سنة 2022، لتعود إلى الانخفاض سنة 2023 بقيمة قدرت بـ 4.8 مليار دولار سنة 2023. أرقام حلّلها الخبير الاقتصادي، بقدرة النسيج الاقتصادي بقطاعاته الصناعية والفلاحية والخدماتية وحتى السياحية – التي باتت هي الأخرى ملزمة بالمشاركة بقوة في الناتج الخام المحلي، بالنظر إلى الخامة الجمالية المتنوعة والثراء الثقافي الذي تتميز به الجزائر عن باقي مناطق العالم – على مواكبة التطورات الاقتصادية العالمية والولوج إلى الأسواق الخارجية العالمية بما يخدم الإستراتيجية الاقتصادية للبلاد، المتمحورة حول رفاهية المواطن الجزائري وأمنه الغذائي والمائي.
وتوقّف المتحدث عند الأرقام التي حققها الناتج الداخلي الخام كأحد أهم المؤشرات الرئيسية التي يعتمدها البنك الدولي في عملية حساب الناتج الفردي، حيث تصنف مجموعة البنك الدولي اقتصاديات العالم إلى أربع مجموعات للدخل وهي البلدان منخفضة الدخل، والفئة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل والفئة العليا من البلدان متوسطة الدخل، إلى جانب البلدان مرتفعة الدخل، ويتم تحديد هذه التصنيفات، التي تهدف إلى تجسيد مستوى التنمية ببلدان العالم، استنادا على نصيب الفرد من غجمالي الدخل المحلي، كمؤشر دقيق للقدرة الاقتصادية. والجزائر، يقول كورتل، قد تمكّنت من رفع التحدي فيما تعلق بناتجها الخام المحلي، الذي تطور بشكل ملحوظ منذ سنة 2020، لتصل قيمته إلى 198 مليار دولار سنة 2021 و233 مليار دولار سنة 2022، و260 مليار دولار سنة 2023، مع توقعات أن يناهز عتبة 300 مليار دولار نهاية 2024، أرقام وتوقعات يطمح رئيس الجمهورية إلى رفعها إلى عتبة 400 مليار دولار نهاية 2026 وبداية 2027، أردف المتحدث، مرجعا تطور الناتج الخام المحلي إلى تنامي الاقتصاد الوطني بشكل إيجابي، رغم أن سنة الأساس التي تم اعتمادها في عملية حساب الناتج الداخلي الخام، تعود إلى 20 سنة مضت، وهو ما تداركه رئيس الجمهورية ودفعه إلى الأمر بتحيين سنة الأساس، لتعكس حقيقة الأسعار الواقعية، مما يسمح بتقييم حقيقي للناتج الخام المحلي، بأسعار ومعطيات محينة.
الخزينة العمومية في أمان..
كما أشار فريد كورتل إلى مؤشر حسّاس يعكس واقع الاقتصاد الوطني، وهو احتياطي الصرف الذي عرف قفزة تاريخية منذ 2021 أين بلغت قيمته 45.3 مليار دولار ثم 60.99 مليار دولار سنة 2022، وقارب ليصل إجمالي احتياطي الصرف الى 85.2 مليار دولار، وهو ضعف قيمته سنة 2020، ما يضمن تغطية الواردات لمدة سنتين متتاليتين، ممّا يؤكد المسار الصحيح للاقتصاد الوطني القائم على تشجيع الصادرات خارج المحروقات ودعم الاستثمارات دون تمييز بين القطاعين العمومي والخاص، ومنح فرص الابتكار وريادة الأعمال للشباب. معدل النمو هو الآخر حقق أرقاما تصاعدية، فرغم الانكماش الاقتصادي الذي تسبّبت به جائحة كورونا، استطرد فريد كورتل، إلا أن السياسة الرشيدة لرئيس الجمهورية، من خلال تعليماته بضرورة الاعتماد على الموارد المحلية دون اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، ممّا سمح بتماسك الاقتصاد الوطني. وقدّم كورتل أرقاما عن تعافي معدل النمو قفزت من -5.1 % إلى 3.4 % مع بداية الانفتاح الاقتصادي سنة 2021، و3.2 % سنة 2022 ليستقر عند حدود 4.3 % سنة 2023، متوقعا أن يصل إلى 4.5 % سنة 2024. أرقام جعلت الاقتصاد الوطني يصنف ضمن الاقتصاديات سريعة النمو، وهي الأكثر استقطابا للاهتمام الاستثماري من طرف الاقتصاديات الكبرى.
تصنيف يعكس المسار الصّحيح
ممّا سبق ذكره من تفصيل للمؤشرات التي يستند إليها البنك الدولي في عملية تصنيفه للبلدان فيما تعلق بالمراتب الدنيا أو العليا لهذه الأخيرة من حيث متوسط الدخل الفردي، أين صنّفت الجزائر ضمن الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل. وأشار كورتل إلى أنّ هذا التصنيف يتم بتحديد نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الخام خلال السنة الميلادية السابقة، ويتم التعبير عن مقاييسها بالدولار الأمريكي، باستخدام عوامل تحويل مشتقة حسب طريقة “الأطلس” التي يعتمدها البنك الدولي منذ سنة 1989.
وما ارتأى الخبير الاقتصادي الإشارة إليه هو أنّ تصنيف البلدان حسب شرائح متوسط الدخل الفردي قد تطور على مدى السنوات الماضية، حيث تمّ تصنيف سنة 1987، أقل من 30 % من البلدان التي تم تقديم تقارير عنها باعتبارها منخفضة الدخل و25 % بالنسبة لتلك المرتفعة الدخل، أما بالنسبة لسنة 2023، فقد تغيرت هذه النسبة إلى 12 % في فئة البلدان المنخفضة الدخل و40 % في فئة البلدان المرتفعة الدخل، ويبقى حجم هذه النسب متباينا بين مختلف مناطق العالم حسب الملامح الإقليمية، كان للاقتصاد الوطني مكانة متميزة بينها. ولدى استفسارنا عن مقاييس تسمية البلدان “بمنخفضة أو متوسطة الدخل” أجاب كورتل، أنّ البلدان المنخفضة الدخل هي تلك التي يحوز بها الفرد على دخل سنوي أقل أو يساوي 1145 دولار/سنويا، أما البلدان المتوسطة الدخل فهي البلدان التي يتراوح متوسط الدخل السنوي الفردي بين 1146 دولار و4515 دولار، في حين يتراوح هذا الأخير بالنسبة للشريحة المرتفعة الدخل بين، 4516 دولار إلى 14005 دولار، حسب آخر المعايير المعتمدة من طرف البنك الدولي، التي قفزت بمقتضاها كل من الجزائر، أوكرانيا، منغوليا وإيران من الشريحة الدنيا للبلدان متوسطة الدخل إلى الشريحة العليا من البلدان متوسطة الداخلي، وهو ما أرجعه الخبير الاقتصادي إلى أداء الاقتصاد الوطني خلال السنوات الأربع الأخيرة، بفضل السياسة الرشيدة والبراغماتية لتطور هذا الأخير، ومراجعة شاملة لآليات تقييمه حسب معايير صحيحة وواقعية من طرف مكتب الإحصاء الوطني تماشيا والمعايير المعتمدة عالميا.
غد مطمئن وآمن
وبخصوص انعكاسات وترجمة تصنيف الجزائر ضمن الفئة العليا للبلدان متوسطة الدخل، على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمواطن، أكد فريد كورتل أن ملامح ارتفاع متوسط الدخل الفردي، تجلت انعكاساتها بوضوح في الثبات أمام الأزمات الاقتصادية التي تميزت بها القدرة الشرائية للفرد الجزائري، في حين تهاوت هذه الأخيرة بالنسبة للعديد من الدول المتطورة كفرنسا وبريطانيا وألمانيا، حرصت الجزائر على الحفاظ على القدرة الشرائية لمواطنيها، من خلال سياسية اجتماعية متميزة عربيا وعالميا، عمدت من خلالها إلى تخفيض الرسوم والضرائب على أجور العمال التي ارتفعت بـ 47 % خلال سنتين، ومواصلة دعم المواد الأساسية ذات الاستهلاك الواسع وتكفل الدولة بالتداعيات الاقتصادية المنجرة عن ارتفاع أسعارها بالأسواق العالمية، الإجراء الذي كان وراء دعم القدرة الشرائية وساهم في تراجع التضخم الذي اجتاح مختلف دول العالم، وبقيت الجزائر في منأى عنه أو بنسبة أقل منها على ما هو عليه عالميا. ويتوقع الخبير الاقتصادي، أن تستمر المؤشرات الكلية للاقتصاد الوطني في التنامي، بدخول ما يزيد عن 7 آلاف مشروع استثماري مسجل على مستوى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، حيز الاستغلال الفعلي غضون 2026-2027.